التنمية المستدامة مفهوم حديث نسبيا، ظهر في ثمانينات القرن المنصرم وذلك في إطار تقرير " مستقبلنا المشترك" الذي صدر عام 1987 عن اللجنة العالمية للتنمية والبيئة التي ترأستها وزيرة سابقة للنرويج، وتم تعريف هذا المفهوم على انه:" التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإخلال بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها أو أنها عملية تغيير حيث يجري استغلال الموارد وتوجيه الاستثمارات وتكييف التنمية التقنية والتطوير المؤسسي بتناسق يعزز الإمكانيات الحاضرة والمستقبلية في تلبية احتياجات البشر وتطلعاته".
وتعرف التنمية المستدامة بأنهـا: عمليـة Sustainable Development تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجاريـة بشـرط أن تلبـي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال على تلبية حاجـاتها ، ويواجـه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليـه مع عدم التخلـي عـن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتمـاعي.
هذا وقد اعتمد المجتمع الدولي في قمة الأرض بالبرازيل عام ١٩٩٢ مصطلح التنمية المستدامة بمعنى تلبية احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة في الحياة في مستوى لا يقل عن المستوى الذي نعيش فيه".
وأما تعريفها اللغوي فيذكر قاموس أكسفورد الإنجليزي أن كلمة(Sustainability ) تشير إلى " الإبقاء على مجهود جار باستمرار ، القابلية للدوام والحفظ من التدني " والكلمة العربية الأقرب إلى هذا المعنى هي (استدامة) و( تواصل) ، وهنا يتضح من هذا التعريف أن التنمية المستدامة إنما هي تعبير عن التنمية التي تتصف بالاستقرار وتمتلك عوامل الاستمرار وهي شاملة هدفها النهوض بالأرض ومواردها والنهوض بالموارد البشرية وطاقاتها وتراعي البعد الزمني وحقوق الأجيال القادمة في التمتع بثروات وخيرات الأرض، ويعيش العالم اليوم في حالة رهان وسباق مع الزمن من اجل توفير مستلزمات ومتطلبات هذه التنمية حيث تتجاذبه محددات كثيرة تمنعه من الوصول الكامل إليها، ومن أبرز هذه المحددات هو الزيادة الهائلة في عدد سكان الأرض والذي تجاوز 6 مليار نسمة ، إضافة إلى التلوث الهائل الذي أحدثه التقدم العلمي والصناعي في إطار العولمة ومتطلباتها، وعلى الرغم من تباين تعريف هذا المفهوم إلا أنها كلها تدور حول هدف رئيس هو توفير التخفيف من وطأة الفقر والجوع وتوفير امن غذائي مستدام للبشر، وخاصة بعد أن أصبح الحق في الغذاء أحد أهداف منظمة الفاو الرئيسية وهو ضمان تحرر البشرية من الجوع، وقد أكد على ذلك مؤتمر القمة العالمي للغذاء في نوفمبر 1996 " أي بحق كل إنسان في إمكانية الحصول على غذاء سليم ومغذٍ تمشياَ مع الحق في الغذاء الكافي والحق الأساسي لكل إنسان في التحرر من الجوع.
وقد حدد المجتمع الدولي مكونات التنمية المستدامة على أنها:
- نمو إقتصادى.
- تنمية اجتماعية.
- حماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية بها.
وهذا يعنى أن تكون هناك نظرة شاملة عند إعداد إستراتيجيات التنمية المستدامة تراعى فيها بدقة الأبعاد الثلاثة.
وتسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق هذه المكونات من خلال عدة غايات تسعى لتحقيقها، ومن أبرزها:
- تحقيق الحياة الكريمة والتركيز على النوع وليس الكم.
- حماية البيئة وتحقيق الانسجام بينها وبن بني الإنسان لتكون علاقة تكامل وانسجام وليس علاقة استغلال ونهب.
- تسخير التكنولوجيا الحديثة لخدمة حياة بني الإنسان.
- الاستخدام الرشيد والعقلاني للموارد المتاحة.
ويلاحظ أن العالم يجري بسرعة لتحقيق متطلبات هذه التنمية من خلال نشاطات ومؤتمرات عديدة أبرزها ما عرف باسم قمم الأرض ، وفي هذا الإطار يقول كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة : " إنّ التنمية المستدامة ليست بالعبء، وإنما هي فرصةفريدة - فهي تتيح، من الناحية الاقتصادية، إقامة الأسواق وفتح أبواب العمل؛ ومن الناحية الاجتماعية، دمج المهمشين في تيار المجتمع؛ ومن الناحية السياسية، منح كل إنسان، رجلاً كان أم امرأة، صوتاً وقدرة على الاختيار لتحدّي مسار مستقبله" (إعلان جوهانسبرغ بشأن التنمية المستدامة، الفقرة 6)، وقد أصبحت التنمية في عالم اليوم تقوم على دعائم متعددة كلها لازمة للتوصل إلى تنمية مستدامة .
ولا شك أن غايات ومقاصد التنمية المستدامة تنسجم مع روح ديننا الإسلامي الحنيف الذي دعا إلى الترشيد والقصد في الاستهلاك حيث قال علية الصلاة والسلام: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة" (رواه احمد وابن ماجه والبخاري).
وأما واقع التنمية المستدامة في عالمنا العربي فانه واقع مؤلم ويشير إلى كثير من المثالب والسلبيات حيث تؤكد تقارير التنمية البشرية سواء العالمية أو العربية إلى أن الواقع العربي يعاني من عجز في كل أبعاد التنمية المستدامة ويمكن لنا أن نسجل بعض الإشارات الدالة على ذلك ومنها:
- انخفاض مستوى دخل الفرد في الوطن العربي : حيث أشار التقرير الأول للتنمية الإنسانية في العالم العربي لعام 2002، إلى أنّ الفرد العربي سجل في السنوات العشرين الماضية أدنى نسبة نمو في مستوى الدخل في العالم لا يدانيه سوى سكان الصحراء الأفريقية، وأنه يحتاج إلى 140 سنة لمضاعفة دخله.
- التزايد الكبير في نمو السكان في العالم العربي والذي لا يقابله نمو في الإنتاج حيث أشار ذات التقرير إلى أنّ سكان العالم العربي سيصل إلى ما يتراوح بين 410 ملايينو459 مليونا سنة 2020. بعد أن كان عددهم 280 مليونا عام 2000، بل وتشير التقارير إلى أنّ عدد السكان سيتضاعف خلال الثلاثين سنة المقبلة، وسيصبح سنة 2050حوالي 645 مليوناً، مما يعني أنّ معدل النمو السكاني في المنطقة العربية سيكون أعلى من معدل النمو الاقتصادي. والسكان في سن العمل (15 - 59) سيصل عددهم سنة 2025إلى حوالي 285 مليوناً.
- غياب العدالة الاجتماعية حيث أشار التقرير إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء على مستوى الدول، وداخل كل دولة على حدة.
- عدم القدرة على مواجهه العولمة وتحدياتها : حيث أشارت التقارير الإنسانية إلى عدم جاهزية المنطقة العربية للتحديات الاقتصادية المترتبة على العولمة، وعدم تناغمها مع التطور التكنولوجي في العالم. ولا شك أن لهذه الإشارات نتائج عكسية على الأمن الاجتماعي للإنسان بشكل عام وتحديدا الأمن الغذائي والصحي وهما ركيزتا التنمية الإنسانية بشكل عام، ومن ابرز هذه النتائج:
- انتشار جيوب الفقر والتي تؤدي إلى مشكلات صحية واجتماعية وسياسية . حيث أنّ عدد المواطنين العرب الذين يعيشون تحت خط الفقر يتراوح ما بين 65 و 73 مليون نسمة.
- الشعور بالإحباط نتيجة لعدم المساواة في توزيع مكتسبات التنمية بين السكان، وكذلك عدم المساواة بالفرص والقدرات، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ نسبة الحرمان، بمعايير التنمية الإنسانية الأساسية، تبلغ حوالي 32.4 % من إجمالي السكان في العالم العربي. فمازال الناتج الإجمالي يتراوح نموه بين 0.5 -1 % منذ عقدين بينما تتراوح نسبة النمو الطبيعي للسكان بين 2.5 – 2.6 % سنويا، مما يعني أنّ الدخل الحقيقي للفرد العربي قد انخفض في هذه الفترة بنسبة 40 %، يضاف إلى ذلك أنّ 60 % من المواطنين العرب يقعون ضمن الفئة العمرية تحت 35 عاما ، ويمثل الأطفال تحت سنة 15 عاما نسبة 40 % من تعداد السكان.
- ضعف مستوى الرعاية الصحية، حيث يعاني حوالي عشرة ملايين عربي من سوء التغذية.
- انحسار واضح في فرص التعليم الجيد، حيث تصل نسبة الأمية إلى نحو 25 % . كما تشير التقارير إلى تناقص تمويل التعليم تدريجيا منذ عام 1995، إذ انخفض الإنفاق على التعليم للفرد في الدول العربية، نسبة إلى الدول الصناعية، من 20 % عام 1980إلى 10 % في منتصف التسعينيات. ورغم الحديث عن ديمقراطية التعليم وإلزاميته فإنّ الأعداد المطلقة للأميين تتكاثر في العالم العربي، فقد ارتفع عدد الأميين العرب من 58مليونا عام 1982 إلى 61 مليونا عام 1990، وإلى حوالي 70 مليون عام 2000 بما يشمل 40.4 % من جملة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 سنة.
- غياب كامل أو ضعف مزمن في سياسات الأمان الاجتماعي أو غيابه بالكامل حيث تصل نسبة البطالة إلى 20 %.