2014-04-06

المجتمع المدني كشريك جديد في التنمية المستدامة






تلعب هيئات المجتمع المدني في بلدان المغرب العربي العمود دورا محوريا في عملية البناء والتعمير الاجتماعي. بل إن تلك الأهمية تعاظمت في العقود الأخيرة من القرن العشرين نتيجة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم ككل، بما في ذلك الدول المغاربية التي ليست بمعزل عن تلك المتغيرات، بفعل المصالح المشتركة التي تربطها بالبلدان الأخرى.


فعلى المستوى الاقتصادي تخلت الدولة عن جزء كبير من الدور الذي كانت تشغله اقتصادياً واجتماعياً بفعل الضغوط القادمة من المؤسسات المالية الدولية نتيجة للأزمة الاقتصادية التي أثرت على غالبية الأنظمة السياسية العربية، وهو ما أدى إلى خفض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وبرامج الرفاهية الاجتماعية، وبالتالي أفسح المجال أمام شريك آخر كي يتحمل جزءا من مسؤولية الخدمة الاجتماعية وهو المجتمع المدني.


خاصة وان تلك الضغوط الاقتصادية صاحبتها تحولات ديموغرافية واجتماعية في البلدان المغاربية فرضت احتياجات جديدة، فضلاً عن النمو الحضري الذي لم تواكبه تنمية اقتصادية. وقد أشفعت كل تلك التحولات بالدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية والذي تجاوز مجرد الضغط من أجل تطبيق برامج التحرير الاقتصادي والتكيف الهيكلي إلى البحث عن فاعلين جدد غير حكوميين يتم التعامل معهم، إضافة إلى الدور الذي لعبته الأمم المتحدة للتأكيد على ضرورة مشاركة المجتمع المدني في صياغة الخطط التنموية ووصنع السياسات الاقتصادية.


وبالفعل اتجهت هذه المؤسسات إلى التعامل بشكل مباشر مع المنظمات غير الحكومية أو هيئات المجتمع المدني لسد الفجوة التي تركتها الدولة إنقاذا لضحايا التحرير الاقتصادي.


أما السؤال المطروح والمتعلق بكيفية مساهمة المجتمع المدني في التنمية المستدامة في المنطقة المغاربية فإن الإجابة عليه تبقى مرهونة بمسألتين،الأولى هي طبيعة العلاقة التي تربط بين المجتمع المدني وبين الدولة والثاني يتعلق بالمجتمع المدني نفسه.


إن نجاح المجتمع المدني في التأثير ايجابيا على عملية التنمية يرتبط بطبيعة الإطار القانوني التي تضعه الدولة لتنظيم وجود ونشاط منظمات المجتمع المدني، بمعنى هل هو إطار قانوني منظم أم مقيد؟ كما يرتبط الأمر نفسه بمدى استجابة الدولة بمؤسساتها المختلفة للمطالب التي يتقدم بها المجتمع ومدى جديتها أصلا في التعامل معه، فإذا كانت ثمة إرادة جادة للتعاطي معه ايجابيا حصل تغيير كبير على مستوى التنمية المستدامة، بحكم أن المجتمع المدني أكثر قدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية وأكثر فاعلية في ملامسة هموم الجماعات المستهدفة.


إذا حصل العكس تحولت المنظمات غير الحكومية إلى مجرد أوصال وتراخيص في الحقائب، أو وسائل للارتزاق الشخصي كما حدث في موريتانيا نهاية التسعينات من القرن الماضي.


من ناحية ثانية تتعدد المحددات الحاكمة لقدرة المجتمع المدني على التأثير في التنمية تبعا لما تتمتع به منظماته من قدرات إدارية ومؤسسية، كبناء الهياكل التنظيمية، تنمية روح العمل الجماعي بين نشطائه، فاعلية مهاراتهم الاتصالية، وقدرتهم على التخطيط الإستراتيجي أو ما يطلق علية عملية بناء القدرات.


أما المجموعة الثانية من المحددات فترتبط بالقدرة على بناء رصيد للقوة والتأثير من خلال النجاح في إقامة تحالفات وشبكات في ما بين هيئات المجتمع المدني بعضها البعض، وبينها وبين كافة الأطراف الفاعلة في عملية التنمية محليا وعالميا. يضاف إلى ذلك قدرة المجتمع المدني على تحديد احتياجات المجتمع المحلي، وهو ما يتطلب إشراك المجتمع في تحديد المشروعات والتخطيط لها وتدبير التمويل وتنفيذها ومتابعتها. وهو ما يتطلب مهارات خلق جسور مع المجتمعات المحلية وبناء للثقة بين هذه المجتمعات والمنظمات غير الحكومية.


وفي الأخير إذا كانت العلاقة التشاركية بين الدولة والمجتمع المدني فعالة فمن المتوقع أن ينجم عن ذلك مساهمة هذا الأخير في عملية التنمية المستدامة، وقد نجح المغرب إلى حد بعيد في ذلك من خلال ما تم استعراضه في المنتدى الأخير بمدينة أكادير حيث شاركت 5000 جمعية في عملية التنمية المحلية وتم خلق 3400 نشاط مدر للدخل و40 ألف فرصة عمل في الفترة ما بين 2005_2010.

Share this