2014-04-04

بنك للفقراء يديره الأخفياء بجدة






لا يسعى أبدا للظهور في وسيلة إعلامية، بل إنه كان متوترا للغاية عندما عرفنا به.. إنه أحد الدعاة بجنوب جدة، الذي يتخذ من المسجد الذي يرتاده مكانا لاحتضان مشروعه لتقديم القروض الحسنة للفقراء، بمساعدة القادرين من رجال الأعمال.


لم يكن إقناعه بالحديث معنا بالأمر السهل؛ حيث مكثت أكثر من أسبوعين أتصل به المرة تلو الأخرى كي يحدثنا عن مشروعه الخيري الذي بدأه منذ 18 عاما، وكل مرة يعتذر بأسلوب مهذب، وبعد محاولات مضنية وافق على التحدث، لكنه رفض ذكر اسمه، وذكر المكان الذي يوجد فيه مشروعه، وكان له ما طلب.


بدأ الشيخ الحديث عن دوافعه لتدشين مشروعه بقوله: "لاحظنا العديد من الفقراء الذين يأتون إلينا ويرغبون في المساعدة في قضاء حوائجهم، لكنهم يرفضون في نفس الوقت أخذ الصدقات، وإنما يبحثون عمن يقرضهم قرضا حسنا، عازمين على تسديده بعد تحسن حالتهم؛ تعففًا منهم، ورغبة في الاعتماد على أنفسهم".


ويكمل حديثه: إن كثرة المترددين على المسجد بهذا الغرض دفعتني ومن يساعدوني على فعل الخير للبدء في تنفيذ فكرة القروض الحسنة، فكانت البداية بحوالي 30 ألف ريال من قبل بعض المحسنين، ووصل المبلغ المتداول حاليا إلى 700 ألف ريال.


ويبلغ عمر هذا المشروع ثمانية عشر عاما، أي وصل لمرحلة الشباب، لكن الشيخ أفصح عن أمنيته التي يسعى لتحقيقها، وهي أن يراه بلغ سن الرشد وقد تحول إلى بنك لإقراض الفقراء دون فوائد.


وعن عدد المقترضين الحاليين، أفاد بأنهم يبلغون حوالي 2689 مقترضا بمبالغ متفاوتة، تبدأ من ألف ريال وتصل إلى 10 آلاف.


وعن طريقة سداده، أوضح أنه يتم تسديد المبلغ على 10 أشهر، كما يعطى المقترض فترة سماح لمدة شهرين من بدء تسلمه القرض حتى يبدأ في تنظيم أموره ويستعد للسداد من الشهر الثالث، أي هناك فرصة سداد أمامه تصل لسنة.


ويسقط القرض إذا أصيب صاحبه بإعاقة كاملة، كما يسقط عن الورثة في حالة وفاته، وتعد قروضا معدومة، ويقول الشيخ: "هناك 8 حالات كهذه سقط عنها القرض، بإجمالي 35 ألف ريال".


وأشار إلى أن هناك بعض المقترضين يقومون بالتبرع لهذا الصندوق بعد تحسن حالتهم المادية.


بنك مصغر


ويبدو أنني أطلت في حديثي مع الشيخ وعطلته عن مباشرة أعماله، فطلب مني بأدب جم زيارة المسئول المباشر عن الصندوق للتعرف أكثر على النشاط.


قمت في صباح اليوم التالي بزيارة للمشروع، فوجدت المسجد وما حوله كخلية نحل، كلهم من الناس البسطاء، لكن ابتسامة الرضا ترتسم على محياهم، فتأكد لي ساعتها أن السعادة لم ولن تقترن بالثراء فقط.


كان المسئول يجلس في غرفة متواضعة بها أرفف تحمل ملفات فيها أوراق المقترضين، وأمامه جهاز كمبيوتر مسجل عليه كل البيانات الخاصة بهم، بدأت بسؤاله: ماذا أفعل إذا أردت الاقتراض من مشروعكم؟


كانت ورقة تشبه أوراق البنوك أعطاها لي المسئول كفيلة بالإجابة على سؤالي؛ حيث تتضمن شروطا تتعلق بالمقترض، وأخرى بالكفيل الغارم.


فبالنسبة للمقترض عليه أن يملأ استمارة فيها جميع بياناته، وأن يكون من سكان جدة، وتكون الحاجة المطلوب القرض من أجلها داخل جدة مع إثبات ذلك، وتبحث الحالة ويتم الرد عليها خلال 24 ساعة فقط، وفي حال الموافقة يطلب منه صورة من عقد الإيجار، بالإضافة إلى تزكية من إمام المسجد الذي يصلي فيه.


وعن شروط الكفيل الغارم فيجب أن يكون سعودي الجنسية، وموظفا لدى جهة حكومية، وألا يقل راتبه عن 4 آلاف ريال، ويحضر صورة من عقد الإيجار، وصورة من البطاقة الشخصية، وملء نموذج الاستقطاع من جهة عمل الكفيل، أو توقيع شيكات بالمبلغ، أو إحضار وكالة شرعية للمشروع بالتفويض بالخصم من الراتب إذا لم يسدد المقترض، وبعد إكمال هذه الأوراق يتم تسليمه القرض.


وتشبه تلك الشروط ما هو معمول به في البنوك، وهي ملاحظة أبديتها لمحدثي، فأجابني: إننا نريد المساعدة لأكبر قدر ممكن، وكلما التزم المقترض بسداد قرضه كانت هناك فرصة لآخرين في الاستفادة، خاصة أننا لا نأخذ فائدة قط على المبلغ.


حل فوري لمشاكل حيوية


وأكمل حديثه: إن الغرض من المشروع هو إيجاد حل سريع وفوري لمشاكل حيوية لا تحتمل التأخير؛ كمساعدة شاب عاطل عن العمل بتوفير باب رزق له، سواء بالمساعدة في شراء سيارة نقل صغيرة مستعملة، أو تحويل سيارة خاصة يملكها رب أسرة فقد عمله إلى سيارة أجرة مما يضطره لدفع رسوم على ذلك، أو فتح محل للخضراوات، أو حتى محل بيع جوالات مستعملة، وكل هذه المشاريع يكفيها مبلغ بسيط يمكن الشخص من خلالها سداد متطلبات الحياة.


وأضاف: هناك أيضا حالات أخرى يقدم فيها المشروع قروضا؛ كالمساعدة في تأثيث منزل أو ترميمه، وسداد إيجار متأخر، وإجراء عملية جراحية عاجلة، ومصروفات المدارس، وإكمال دراسة أكاديمية.


وقال: "يأتي إلى الصندوق أحيانا بعض أولياء الأمور ممن يرغبون في قروض لإدخال بناتهم دورات تعليمية تساعدهن فيما بعد على إيجاد وظيفة"، وذكر منها عدة حالات؛ كالاقتراض لدورات كمبيوتر، وخياطة، وتجميل.


من مستأجر لمالك


ويحكي مدير الصندوق عن أحد النماذج التي اقترضت من الصندوق، وهي لشاب كان يستأجر سيارة صغيرة لنقل البضائع (تسمى في السعودية دباب) بما يعادل 1200 ريال شهريا، وكان يشكو من عدم توفير قدر كاف له ولأسرته بعد سداد إيجار السيارة المستحق، فتقدم للمشروع واقترض 6 آلاف ريال دفعها مقدما لسيارة مستعملة، لكنها في حالة جيدة، فأصبح يسدد 600 ريال شهريا، وبعد مرور عام أصبحت ملكه، وفتح الله عليه بعد ذلك؛ حيث يمتلك حاليا 3 سيارات من نفس النوع.



Share this