المشهد في أحد شوارع مكة المكرمة كان مختلفا، بينما كانت إحدى دوريات الأمن تقوم بواجباتها في متابعة الحالة الأمنية.. فالصورة التي تعودت عليها أنظارهم هي أن العاملين في مهنة غسيل السيارات يكونون من غير السعوديين، لكن ما لفت انتباههم هو وجود مجموعة من الشباب ينتهزون فرصة توقف أي سيارة ليتسابقوا إلى تنظيفها.
كان الاحتمال الوحيد الذي وضعه رجال الأمن لتفسير المشهد أن هؤلاء الشباب أصابهم مس من الجنون، خاصة أن بطاقات الهوية الخاصة بهم تسجل أنهم جامعيون، وكما يقول أحد هؤلاء الشباب ويدعى "حسن.ب" لجريدة "الشمس" السعودية الشبابية في عددها الصادر يوم 2 مارس 2010: "قام رجال الأمن باقتيادنا إلى مشفى للأمراض العقلية، لكن ما أن عرفوا قصتنا حتى تضامنوا معنا وساعدونا".
وقصة هؤلاء الشباب التي نقلتها الجريدة تتلخص في أنهم لجئوا لهذه المهنة من أجل جمع أموال يدفعونها كرسوم لدخول اختبار القدرات المعروف بـ"القياس"، والذي أصبح شرطا للحصول على الوظيفة الحكومية.
وتحول هذا الاختبار، كما يؤكد "مازن. م.خ" إلى عائق أمام طموحات الشباب في الحصول على وظيفة، وحكم على شهادتهم أن تظل حبرا على ورق.
ويقول مازن: "أسرتي ظروفها الاقتصادية صعبة للغاية، وحتى أستطيع دخول هذا الامتحان فأنا أحتاج لدفع مبلغ 200 ريال كرسوم، كما أحتاج إلى 1700 ريال أدفعها للاشتراك في دورة تؤهلني لاجتيازه".
ولم يكن الوضع بأفضل حالا عند "أحمد.ك.ط" الذي عاد بذاكرته إلى الوراء متذكرا فرحة أسرته عندما حصل على شهادته الجامعية التي كانت تعني بالنسبة لهم تخفيف الأعباء الملقاة على عاتقهم، لكن أحمد قال -والحسرة تبدو واضحة على وجهه: "لم يتغير شيء منذ حصلت على الشهادة الجامعية قبل ثلاث سنوات.. فأنا في حكم المهمشين".
وحكى أحمد للصحيفة كيف أن والده عيره لكونه عاطلا، وأضاف: "لن أنسى يوما تمنى فيه والدي لو كنت بنتا لكي يزوجها ويرتاح من همها".
وبالرغم من أن هذا العمل يبدو غير منطقي لشباب تخرجوا في الجماعة، فإن "حسن. ب"، يقول: "أنا في قمة فرحتي؛ فأنا بذلك استطعت غسل الشهادة الجامعية في قرارة نفسي، وأيقنت أنها لا تقدم ولا تؤخر".
ووجه حسن وأقرانه رسالة لوزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي، بالإضافة لجامعتهم التي تخرجوا منها، وقالوا: "نهدي لكم أوضاعنا لتعرفوا ما آلت إليه أحوالنا".
ليس شأننا
من جانبه، تساءل د.هاشم حريري وكيل جامعة أم القرى: ولماذا تم تضميننا في الرسالة التي وجهها الخريجون؟!
وأوضح أن مسئولية الجامعة تقف عند تخريج الشباب، أما فرصة العمل فهي مسئولية جهات أخرى.
وفيما يتعلق باختبار "القياس"، قال حريري: "هو من مسئولية وزارة التربية والتعليم، وليس لنا علاقة به".
لكن رجل الأعمال الشيخ الشريف منصور أبو رياش لم يستثن أي جهة من تحميلها المسئولية عما آلت إليه معدلات البطالة بين الشباب، مشيرا إلى أنه تمنى قبل اختبار القدرات أن تختبر الجهات المعنية مقدرتها حيال قيامها بما هو موكل ومأمول منها من عدمه، موضحا أن بلوغ بعض أبناء المجتمع لمستوى غسيل سيارات المارة ببلد غني يعد فاجعة بحد ذاته.
ويضيف: "أحمل مسئولية تبعات ذلك لوزارات التعليم العالي، والتخطيط، والعمل، وأدعوها لإعادة تأهيل نفسها، ومن ثم البحث عما تقدمه إيجابا لصالح أبنائنا وبناتنا، فالبطالة باتت سمة من سمات هذا المجتمع".
مسئولية التوجيه
واستنكر الشيخ سليمان الزايدي -عضو مجلس الشورى- على الجامعات تهربها من المسئولية، وأشار إلى أنها تستطيع من خلال أدوارها توجيه الشباب إلى التخصصات المطلوبة في سوق العمل، بعكس ما عليه الوضع الراهن بتسليمهم وثائق تخرجهم ليصطدموا بالواقع المُر.
ويعمد الزايدي إلى تشريح أوضاع الخريجين في ظل رفض سوق العمل كثيرا منهم؛ لقصور دور الجامعات في توجيههم، قائلا: "أسفت أشد الأسف عندما تابعت كغيري خلال إحدى القنوات الفضائية شابا من دول الجوار أظهرته تلك القناة بصورته الراهنة، آنذاك، وهو يمتهن تنظيف الشوارع، على الرغم من حمله درجة البكالوريوس في علم الآثار، وكان لذلك المشهد أثره في نفس المسئول المباشر الذي لم يلتزم الجلوس على مكتبه والتنعم، بل نزل إلى الشارع والتقى الشاب بنفسه، ومن ثم تابع شخصيا معاناته حتى وجد عملا بالتخصص ذاته الذي يحمله".
ويضيف: "المسطحات الأرضية لوطننا تنتظر ما نحن متعطشون إليه بنزول مسئول إلى حيث يوجد الأبناء، لا أن ينتظر ليأتوه حيث يقبع".