تعتبر التنمية الصناعية المنفذ الرئيسي لإرساء قواعد الإنتاج وتعظيم القدرات التصديرية للاقتصاد الوطني وهي بذلك تأتي على راس الأولويات كعنصر حاكم لبناء اقتصاد قومي قادر على المنافسة في ظل المتغيرات الدولية، وتشكيل عدد من التكتلات الاقتصادية بين الدول الصناعية. ويجب أن لا يقل معدل النمو المستهدف عن 9% في المستقبل.
وتتحقق التنمية الاقتصادية من خلال وجود قطاع صناعي قادر على الخروج بمنتجاته إلى الأسواق العالمية منافسا لمنتجات الدول المتقدمة والدول النامية. ويكون ذلك دافعا على زيادة الإنتاج والارتفاع بجودته. ولا بد أن تعمل السياسات المقررة على جذب رؤوس الأموال سورية وغير سورية، وتشجيع إقامة صناعات كبيرة تساعد على تشغيل وإقامة صناعات أخرى مغذية لها تسمح بخلق فرص عمل جديدة وإحداث انطلاقة صناعية في المجتمع عن طريق زيادة حجم الاستثمار الصناعي في مختلف مجالاته، وبخاصة في قطاع الأعمال والاستفادة من الخبرات المتوفرة التي تجعل سورية من افضل مناطق جذب الاستثمار نظراً لموقعها الجغرافي المتميز والاستقرار السياسي الذي تتمتع به.
الملامح العامة لاستراتيجية التنمية الصناعية
تهدف استراتيجية التنمية الصناعية إلى توسيع وتنمية النشاط الصناعي وتعميق دوره في مهمات التنمية الشاملة ، وتطوير الهيكل الصناعي وتعميق وتوسيع قاعدته التشابكية . وهذا يعني أن السياسات الصناعية قد حددت أهدافاً تسعى لتحقيقها أهمها :
ـ زيادة معدلات نمو الإنتاج الصناعي وزيادة حصته في تكوين الناتج الإجمالي .
ـ التركيز على تصنيع الخامات المحلية ومشتقاتها بما يؤدي إلى زيادة حجم القيمة المضافة وتقليل الصادرات من المواد الأولية الخام .
ـ الاهتمام بتصنيع السلع اللازمة لإشباع حاجات السكان الأساسية وتقليل الاعتماد على
الاستيراد في تأمينها .
ـ تشجيع الصناعات التصديرية ضماناً لتدفق العملات الأجنبية .
ـ إقامة صناعات متقدمة تقنياً وذات قيمة مضافة عالية .
ـ تحقيق درجة من التكامل الأفقي والعمودي بين فروع الصناعة من جهة وبينها وبين فروع الاقتصاد الأخرى من جهة ثانية .
ـ تطوير أساليب وقدرات التدريب والتأهيل الصناعي .
ـ خلق مناخ استثماري مستقر مناسب لتشجيع مشاركة رأس المال الأجنبي والعربي في تمويل المشروعات الصناعية .
ـ استيراد التكنولوجيا والتجهيزات المتقدمة وتوطينها وتعظيم الاستفادة منها في تطوير
القدرات التكنولوجية المحلية .
ـ تعزيز القدرات التنافسية للصناعات السورية.
ـ تحسين الكفاءة الإنتاجية في قطاع الصناعي .
ـ تطوير القطاع الخاص وبخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة .
ـ إصلاح الإدارة الصناعية .
ـ تخفيف آثار التلوث البيئي الناتج عن الصناعة .
ـ تحقيق التنسيق والتكامل الصناعي بين سورية وباقي الدول العربية.
وتعكس هذه الأهداف طبيعة المرحلة التي تمر بها التنمية الصناعية. وتتطلب إستراتيجية التنمية الصناعية إقامة وتطوير الهياكل الأساسية وبخاصة مرافق النقل (الطرق لجسور ـ الموانئ ـ المطارات ـ وسائط النقل شركات الشجن ، محطات الكهرباء، المدن الصناعية ، والمناطق الحرة ) وغيرها .
والتنمية الصناعية في سورية يجب أن تستند بالضرورة إلى توجه اقتصادي ، اجتماعي يمثل رؤية السلطة العامة للمصالح القائمة . وتعد هذه الرؤية حجر الأساس في تحديد الإطار العام للتصنيع الذي يجيب على السؤال المبدئي .. ماذا ننتج .. ولمن ننتج .. وكيف ننتج؟ وهذا يعني تحديد اتجاهات النمو العامة لفروع الصناعة الأساسية وارتباطاتها بالقطاعات الأخرى . وكذلك تعيين الاتجاهات العامة لحجم وطبيعة المردود الاجتماعي للتصنيع . وتوزيع العائد الصناعي بين التنمية المحلية والتصدير ... وتوزيع الناتج الصناعي بين العمل ورأس المال .
ولابد من اختبار مدى توافق السياسة الصناعية مع التوجهات والأهداف التنموية سواء على المستوى النظري أي مدى استجابتها لتطوير الفكر التنموي أو على المستوى العملي أي مدى استجابتها لمتطلبات الوثائق التنموية الرسمية ومدى كفاءة تنفيذها ، ومدى توافقها مع الضرورات الفعلية للاقتصاد والمجتمع .
مفهوم الصناعة والتصنيع:
تطلق كلمة صناعة على أحد فروع الاقتصاد الوطني الذي يضم جميع النشاطات التي تهدف إلى استخراج الثروات الطبيعية من باطن الأرض ( الصناعة الاستخراجية ) والتعامل مع هذه الموارد وتحويلها باستخدام وسائل الإنتاج من قبل الإنسان إلى سلع ويتم بوساطتها تلبية حاجات الناس (الصناعة التحويلية).
أما التصنيع فيمثل عملية إنشاء وتطوير الصناعات الكبيرة وارتبط تاريخياً بدخول الآلة ميدان الإنتاج وانحسار العمل اليدوي وتراجع أهمية العمل الحرفي ، ومن أهم سمات عملية التصنيع ونتائجها:
• الاستخدام الواسع النطاق للتكنولوجيا .
• نشوء التجمعات الصناعية الكبيرة .
• تطور المدن وتوسعها وزيادة الكثافة السكانية فيها .
أهمية القطاع الصناعي:
إن جوهر التنمية الاقتصادية في كافة بلدان العالم يكمن في تنويع الهيكل الاقتصادي من ناحية، والتحديث المستمر للمستوى العلمي والتكنولوجي للنشاط الاقتصادي ، لذلك تبدو أهمية القطاع الصناعي في أي دولة من خلال المؤشرات التالية :
• إنتاج السلع والخدمات للإسهام في سد حاجات الناس .
• تعميق الترابطات بين قطاعات الاقتصاد الوطني .
• الإسهام في توسيع القاعدة التكنولوجية وتحديثها .
• توفير فرص عمل جديدة .
الأطوار النمطية لنمو الصناعة السورية :
1 ) يبدأ الطور الصناعي الأول في سورية مع أيام الاستقلال الأولى في عام 1946 ويستمر حتى قيام الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية في عام 1958 وكان دور الدولة خلال هذا الطور محدوداً من حيث الاستثمار والتخطيط ، ولم يكن لدى الدولة خلال هذا الطور استراتيجية محددة تهدف إلى إنماء البلاد بمجهود إرادي مسبق وبذلك كان لقوى السوق الدور الأساسي والحاسم في توجيه التنمية والتحكم بها خلال هذه الفترة .
وتطورت خلال هذا الطور الصناعات الغذائية التي تعتمد على المنتجات الزراعية والخضار والفواكه وبخاصة حفظها وتعليبها وصناعات زراعية أخرى كحلج الأقطان والغزل والنسيج وصناعة التبغ ولفائفه ، وتطورت أيضاً صناعة الإسمنت ومواد البناء وصناعة الزجاج والأقمشة، والملاحظ أن هذه الأنشطة الصناعة قامت بالاعتماد على المواد الأولية المحلية واليد العاملة السورية .
2 ) الطور الصناعي الثاني خلال الفترة ( 1958 ـ 1961 ) : تحددت التوجهات العامة لسياسة الاقتصادية في دولة الوحدة ( الجمهورية العربية المتحدة ) منسجمة مع البرنامج والنظام الخاص الذي وضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وآمن به ووضعه موضع التنفيذ في كل من مصر وسورية ، وتم في عام 1961 تأميم 27 منشأة صناعية متفاوتة الحجم إجمالي رأس المال المستثمر فيها 170 مليون ليرة سورية ، كما تم تأميم المصارف وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي ، وتضمنت قرارات التأميم منح العمال حقوق جديدة في إدارة المنشآت الاقتصادية والتأمينات الاجتماعية . ولم يحدث تغيير جوهري في هيكل الصناعة السورية حيث ظل قطاع الغزل والنسيج والصناعات الغذائية أهم الصناعات السورية .
3 ) الطور الصناعي الثالث ( 1961 ـ 1963 ) خلال هذا الطور وبعد انتكاس الوحدة بين مصر وسورية وحدوث الانفصال عادت البرجوازية السورية إلى السلطة وأقرت التراجع عن القرارات الاشتراكية وتم إلغاء قرارات التأميم التي صدرت في أيام الوحدة وأعيدت بعض المنشآت الصناعية المؤممة إلى مالكها ، وانخفض معدل نمو الناتج الصناعي وبلغت مساهمة القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي 17% في عام 1963 .
4 ) الطور الصناعي الرابع ( 1963 ـ 1970 ) : بعد انتصار ثورة الثامن من آذار وتولي حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في سورية بدأت مرحلة جديدة في تاريخ سورية وبخاصة فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي وشهدت سورية موجة جديدة من التأميم شملت 108 منشأة صناعية بلغ إجمالي رأسمالها نحو 230 مليون ل.س يعمل فيها 25609 عمال وأخذ نشاط الدولة الاقتصادي يتزايد وفقاً للأسس التالية :
• زيادة أهمية وحجم القطاع العام الصناعي .
• إتباع سياسة الإحلال محل الواردات .
• تأمين فرص عمل جديدة عن طريق القطاع العام .
وتم تنفيذ الخطة الخمسية الثانية خلال هذا الطور وتزايدت أهمية الصناعات الاستخراجية وبخاصة في مجال النفط.
5 ) الطور الصناعي الخامس ( 1970 ـ 1990 ) شهد هذا الطور مرحلة من الاستقرار مع قيام الحركة التصحيحية في 16/11/1970 وتم وضع وتنفيذ أربع خطط خمسية إنمائية في سورية وقد شهدت الصناعة السورية خلال هذا الطور تحولات أساسية وعميقة ومن أبرزها :
?أ ـ اتجاه الدولة لعقلنة دورها وترشيده عن طريق حث القطاع الخاص على زيادة مساهمته في الجهود التنموية .
?ب ـ تعزيز سياسة الإحلال محل الواردات وتوسيع مجالاتها .
?ج ـ التوسع الكبير في صناعة الكهرباء وبخاصة محطات التوليد وشبكات نقل وتوزيع الطاقة .
?د ـ تطوير قطاع الصناعات الاستخراجية .
لقد كان لهذه التحولات في الصناعة اثر كبير على تنامي دور الصناعة في العملية التنموية وتزايد أهميتها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .
الصناعة السورية في ظل التعددية الاقتصادية :
يمكن النظر للتعددية الاقتصادية على أنها آلية إنماء تسمح بتعدد أشكال ملكية وسائل الإنتاج في النشاط الاقتصادي ( قطاع عام ، قطاع خاص ، قطاع مشترك ) ( والتعددية الاقتصادية حالة قائمة في سورية منذ القدم مع اختلاف دور القطاعات الوطنية المتاحة من عام وخاص ومشترك اتساعاً أو انحساراً من مرحلة إلى أخرى ومن ظرف إلى آخر بحسب مظاهر ومصالح النخب والطبقات الفاعلة في المجتمع ووفق علاقات القوة السائدة فيما بينهما ، وقد ترافق باختلاف مستويات وتنوع أشكال ممارسة الدولة لدورها في الحياة الاقتصادية).
وتأتي الضرورات التنموية لأطروحة التعددية في الاقتصاد الوطني في سورية وفقاً لما يلي:
• لتعبئة القدرات الاقتصادية الوطنية باتجاه التنمية .
• وتطوير مستوى الكفاءة في استخدام الموارد .
• وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على التعامل مع السوق العالمية .
• وتشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية على الاستثمار في سورية .
• والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية .
• ومراعاة الضرورات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية .
ولا بد من الإشارة إلى قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 والذي يشجع على استثمار أموال المواطنين العرب السوريين المقيمين والمغتربين ورعايا الدول العربية والأجنبية في المشاريع الاستثمارية ضمن إطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية .
ومن أهم نتائج سياسة التعددية الاقتصادية في سورية :
• زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي .
• تضييق الفجوة بين العرض والطلب.
• تعديل دور الدولة في التنمية من الوصاية إلى الشراكة .
• تعديل موازين القوى السائدة في المجتمع .
تطور الصناعة السورية:
يتم تقسيم النشاط الصناعي في سورية وفقاً للتصنيف العالمي الذي وضعته الأمم المتحدة ، حسب الفروع التالية:
?أ. الصناعات الاستخراجية: وتضم النشاطات الصناعية المتعلقة بالتعدين واستخراج النفط.
?ب. صناعة الماء والكهرباء: وتشمل جميع النشاطات الصناعية المتعلقة بتخزين المياه وتوزيعها وكذلك النشاطات المتعلقة بتوليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية .
?ج. الصناعات التحويلية: وتضم جميع النشاطات الصناعية غير المشمولة بالصناعات الاستخراجية وصناعة الماء والكهرباء وتقسم الصناعات التحويلية إلى تسع مجموعات بحسب نشاطها الإنتاجي وهي:
• صناعة المواد الغذائية والمشروبات والتبغ .
• صناعة الغزل والنسيج والحلج والجلود .
• صناعة الخشب والموبيليا والأثاث .
• صناعة الورق ومنتجاته والطباعة .
• الصناعات الكيميائية ومنتجاتها وتكرير النفط .
• صناعة المنتجات غير المعدنية .
• الصناعات المعدنية الأساسية .
• صناعة المنتجات المعدنية المصنعة .
• صناعات متنوعة أخرى .
الصناعة الاستخراجية في سورية :
كان النشاط الإنتاجي الأهم في الصناعة الاستخراجية حتى أواخر الستينات في سورية يقتصر على توفير الرمل والحصى وبعض أنواع أحجار البناء لسد حاجة قطاع البناء والتشييد وكميات من الإسفلت، ثم أصبح النفط والغاز من أهم منتجات الصناعة الاستخراجية السورية، ليس هذا فحسب بل أصبح لهما أهمية كبيرة في الاقتصاد السوري تزايدت باستمرار.
بدأت عملية التنقيب عن النفط في سورية في نهاية القرن الماضي 1892 عندما منحت الحكومة العثمانية لشركة ألمانية امتيازاً للتنقيب عن النفط في منطقة لواء اسكندرون والمنطقة الواقعة على الحدود الأردنية (جنوب سورية ) ولكن نتائج التنقيب والبحث عن النفط كانت مخيبة للآمال . والمرحلة الأهم في تاريخ التنقيب عن النفط السوري بدأت مع توقيع اتفاق التعاون الفني الاقتصادي مع الاتحاد السوفييتي ، حيث أنيطت مهمة التنقيب عن النفط بالهيئة العامة للبترول التي باشرت أعمالها في عام 1958 ويمكن اعتبار عام 1968 بداية إنتاج النفط بشكل اقتصادي في سورية حيث بلغ الإنتاج في ذلك العام 1.03مليون م3 ووصل في عام 1992 إلى نحو 27.025 مليون طن .
وتحتاج صناعة النفط والغاز إلى خبرات علمية وتقانية متطورة وكثافة رأسمالية عالية مما دفع الحكومة إلى التفكير بتسريع عمليات البحث والاستكشاف وتجنب المخاطرة المالية الكبيرة أحياناً والمرتبطة بالبحث عن مكامن النفط واستكشافها في مناطق الأمل . وقد كان الخيار الأنسب الذي وجدته الحكومة في هذا المجال هو التعاون مع شركات أجنبية من خلال ما يعرف بعقود الخدمة التي كان لها الفضل باكتشاف مكامن كبيرة من النفط في سورية واستخراج كميات كبيرة منها جعلت سورية تتحول من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مصدرة له .
أما بالنسبة للفوسفات فيلاحظ تزايد إنتاجه حتى عام 1990 ثم بدأ بالتراجع لأسباب عديدة منها تراجع الصادرات بسبب اشتداد المنافسة في السوق العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج .
ولا بد من الإشارة إلى بعض المشاكل التي تواجه الصناعات الاستخراجية السورية ومن أهمها : النضوب والمخاطرة والأسعار والقدرة التنافسية والبيئة ، مع التأكيد على أن الصناعات الاستخراجية مرتبطة بالظروف المتغيرة للسوق العالمية لأنها تعتمد على التصدير .
صناعة الكهرباء :
عرفت سورية الكهرباء على نطاق واسع في عام 1905 عندما قامت شركة كهرباء بلجيكية بإنارة جزء من مدينة دمشق وتتالت إنارة المدن السورية حلب في عام 1920 وحمص وحماة في مطلع الثلاثينات من هذا القرن ، وتم إحداث المؤسسة العامة لكهرباء سورية في عام 1965 بعد أن تم تأميم الشركات الأجنبية العاملة في مجال الكهرباء ، وتتولى اليوم مؤسستان حكوميتان صناعة وتوزيع الكهرباء في سورية :
الأولى: المؤسسة العامة لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية .
الثانية : المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية .
وشهدت سورية تطوراً كبيراً في استهلاك الفرد من الطاقة الكهربائية حيث بلغ وسطي تزايد استهلاك الفرد سنوياً خلال الفترة ( 1975 ـ 1994 ) حوالي 9.4 % وهو من المعدلات المرتفعة على المستوى العالمي.
وتزايد أيضاً حجم الاستثمارات الحكومية المخصصة لقطاع الكهرباء في سورية ، وتطورت مصادر توليد الطاقة ، وبخاصة محطات التوليد البخارية التي تشكل حوالي 47% من مصادر توليد الطاقة في سورية ، وشهدت شبكات النقل والتوزيع توسعاً هاماً منذ أواسط السبعينات وحتى اليوم وتم استكمال الربط الكهربائي بين جميع محافظات ومناطق القطر ، وتحققت قفزة كبيرة في إنارة الريف السوري خلال الفترة 1965 ـ 1975 وتم إنارة كافة القرى السورية وتحدث الباحث عن الطلب المستقبلي على الطاقة الكهربائية وبعض المشاكل التي تواجه قطاع الكهرباء في سورية وبخاصة عامل الاستغلال والفاقد.
الصناعة التحويلية :
تعتبر سورية منذ القديم مركزاً هاماً في المشرق العربي للصناعات الحرفية والمنزلية وبخاصة صناعة السيوف والصناعات النسيجية ( الأقمشة القطنية والحريرية ) وتعثر تطور الصناعة السورية في ظل الاحتلال العثماني ولكن الصناعة ظلت تلعب دوراً محدوداً في الاقتصاد السوري ولم تتجاوز نسبة العاملين في الصناعة والتجارة في سورية خلال المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى 10 ـ 15 % من السكان ، وأهم الصناعات في هذه المرحلة كانت تتمثل في صناعة الغزل والنسيج ـ وعصر الزيتون ـ ومطاحن الدقيق وصناعة المعجنات والبسكويت.
وتم إحداث وزارة الصناعة عام 1958 وعهد إليها مهام الإشراف والتوجيه والرقابة على جميع السياسات المتعلقة بقضايا التصنيع على الصعيد الوطني ، لكن ذلك لم يلغِ وجود بعض منشآت الصناعات التحويلية الحكومية التي تتبع من الناحية الإدارية إلى وزارات أخرى غير وزارة الصناعة حيث تتبع المؤسسة العامة للتبغ والمؤسسة العاملة لحلج وتسويق الأقطان لوزارة الاقتصاد ، أما شركتا تكرير النفط في حمص وبانياس فتتبعان لوزارة النفط والثروة المعدنية وتتبع المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب لوزارة التموين والتجارة الداخلية.
لقد أولت الدولة اهتماماً كبيراً لتوسيع وتطوير قطاع الصناعة التحويلية في سورية من حيث الحجم أو من حيث إدخال صناعات جديدة إلى سورية مما كان له النتائج الإيجابية التالية:
• توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية .
• تطوير وتوسيع استخدام التكنولوجيا في الصناعة السورية .
• زيادة مساهمة الصناعة الوطنية في سد الطلب المحلي من السلع المصنعة .
• خلق فرص عمل جديدة .
وترافقت هذه النتائج الإيجابية مع بعض الآثار السلبية مثل زيادة الاعتماد على السوق الخارجية لتأمين مستلزمات الإنتاج في الصناعة التحويلية وإهمال نسبي للقطاع العام في البلاد وهو قطاع الزراعة .
الصناعة السورية وضرورات المستقبل :
في الظروف العالمية الراهنة حيث يتجه العالم حثيثاً نحو الانفتاح تحت راية العولمة التي تحمل لواءها وتدافع عنها قوى اقتصادية وسياسية كبرى وفاعلة في عالم اليوم ، لابد للصناعة السورية من محاولة للمراجعة والتطوير بالنسبة للقطاع العام الصناعي والقطاع الخاص وعلى صعيد الصناعة الوطنية ككل .
1 ـ القطاع العام : للقطاع العام في سورية دور أساسي في عملية التنمية تمليه الضرورات الموضوعية الاقتصادية منها والاجتماعية وأهم مجالات عمل القطاع العام :
• قطاع المشاريع ذات الصفة الاستراتيجية .
• قطاع المشاريع ذات التكلفة الرأسمالية العالمية .
• قطاع المشاريع ذات العائد طويل الأجل أي المشاريع التي تُنتظر عوائدها بعد فترة زمنية طويلة ،
وللقطاع العام أهمية بالغة في ضبط حركة المجتمع وتوازنه من خلال دوره في تضييق عدد الفجوات الاقتصادية وبخاصة فجوة الموارد وفجوة العمالة وفجوة التطلعات وبهدف معالجة أهم المشكلات يعاني منها القطاع العام ومن الضروري وضع قواعد حاكمة بالإدارة وتطوير أسلوب التخطيط، تطوير الأنظمة والتشريعات ، رفع المستوى التقاني وتحديد دور جديد للرقابة مع التركيز على الحافز الفردي والجماعي .
2 ـ القطاع الخاص : يلاحظ وجود العديد من المشاكل والصعوبات التي يعاني منها القطاع الصناعي الخاص وتؤثر سلباً على مستوى الأداء الاقتصادي وتحد من قدرته على النمو والتطور أهمها :
• التمركز الجغرافي في محافظات دمشق وريف دمشق وحلب .
• عدم الإهتمام بمستوى الجودة .
• تعدد الجهات الحكومية المشرفة والبيروقراطية .
• الاعتماد على استيراد مستلزمات الإنتاج .
• مشكلات تمويلية .
ولا بد من إعادة النظر في قضية الحماية كإحدى الوسائل التقليدية التي استخدمتها بعض الدول لتعزيز اقتصادها وتحسين القدرة التنافسية وضرورة التعامل مع المتغيرات الجديدة في الاقتصاد العالمي، وبخاصة موضوع نظام الجودة الشاملة ( ايزو 9000 ) مع التأكيد على أهمية أنظمة المعلومات الصناعية ، والبحث العلمي ، والموارد البشرية التي تشكل العوامل الرئيسية لتطوير الصناعة السورية مستقبلاً .
ويقتضي التوجه الاستراتيجي في هذا الشأن تطبيق مجموعة من السياسات يأتي في مقدمتها:
- الاستمرار في توفير المقومات للارتقاء بالمناخ الاستثماري بما يناسب تطور الظروف المحلية والمحيطة لمواصلة تشجيع رؤوس الأموال (سورية وعربية وأجنبية) للاستثمار في الأنشطة الصناعية نظراً لأهميتها في جذب التقنية المتطورة وبخاصة إلى المناطق الجديدة وتدعيم البنية الأساسية في تلك المناطق بما يهيئ انتشار الصناعات وتوطينها ويمثل إنشاء المناطق والمجتمعات الصناعية في هذه المناطق نقله حضارية في المحافظات وفي الامتدادات الجديدة كما يؤدي إلى تطوير نمط الحياة بما يوجد من مجتمعات عمرانية متكاملة خارج الكتل السكانية القائمة، وما يرتبط بذلك من أنشطة تستوجب أعدادا كبيرة من العمالة في مجالات التجارة والنقل والخدمات.
1. تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودعم دورها باعتبارها منتجات نهائية أو مغذية ومكملة للصناعات الكبيرة والتوسع في نشر تلك الصناعات بالمحافظات.
2. إيجاد وحدات بحوث في مواقع الإنتاج بالاشتراك مع المؤسسات العلمية الجامعية أو المراكز المتخصصة لتطوير العملية الإنتاجية من خلال تطبيق العلم والتقنية الحديثة.
3. التوسع في إنشاء الصناعات الموجهة للتصدير والاهتمام بدراسة احتياجات الأسواق الخارجية من السلع الجديدة وتوفير منظمات التسويق والترويج والتمويل لخدمة الصادرات والاهتمام بوسائل النقل المختلفة للمنتجات الصناعية المصدرة للخارج بما يكفل استمرارية وجودها بالأسواق، وبعمليات تعبئة المنتجات وتغليفها، وبالخدمات المرتبطة بالشحن والتفريغ، ومساعدة مصدري المنتجات الصناعية في سرعة الحصول على الحوافز المقررة لها (نظام استرداد الضريبة والاسترداد المباشر وغيرها من الحوافز).
4. اجتذاب الشركات متعددة الجنسية للاستثمار المباشر بغرض التصدير والاستفادة بما يتوافر لبعض المنتجات السورية من مزايا في فتح أسواق جديدة للصناعات السورية
5. تجنيب الصناعة السورية المنافسات غير المشروعة من خلال الدعم الذي تمنحه بعض الدول لمنتجاتها أو اتباعها سياسات إغراق الأسواق.
6. التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية المتكاملة بأنواعها المختلفة وتقديم المساعدات الفنية والإدارية والتسويقية للمصانع الصغيرة والمتوسطة.
7. تحسين الكفاءة الإنتاجية والارتقاء بمستوي الجودة للسلع الصناعية بدعم الإطار المؤسسي والتنظيمي للمعايرة والمواصفات.
8. العمل على استغلال الطاقات الإنتاجية العاطلة في قطاع الصناعة وتوجيه التصنيع لمجالات إنتاجيه غير تقليدية والدخول في مجالات صناعية جديدة مسايرة للتقدم الصناعي العالمي وتحقيق التطور التكنولوجي.
9. تبادل الخبرات في مجال البحث والتكنولوجيا وتطويرها ونقلها في القطاع الصناعي مع المؤسسات العربية والعالمية والتركيز على الاستعانة بالخبرات السورية والعربية بالخارج وإنشاء وحدات إرشادية للتكنولوجيا المنقولة بالأنشطة الصناعية.
10. ترشيد استخدام الطاقة باستخدام أساليب إنتاج موفرة للطاقة والاهتمام بالصيانة الدورية لتقليل الفاقد منها وتعميم استخدام العزل الحراري والدوائر المغلقة حراريا واستخدام الطاقات الجديدة والمتجددة.
11. تطوير قاعدة المعلومات وتحديثها وبخاصة ما يتعلق منها بالإمكانيات التصنيعية القائمة وتوزيعها جغرافيا والإمكانات التصميمية والصناعات المغذية لها وتشجيع تصنيع المكونات الرئيسية للمشروعات الصناعية الكبرى. وإنشاء الشركات التي تقوم بدور المقاول العام وتوجيهها نحو تعميق التصنيع المحلي وتطوير الأجهزة القائمة بالتصميم الهندسي وتوفير التمويل اللازم لهذه العملية من ميزانيات البحوث والتطوير
12. حماية البيئة من التلوث الصناعي وذلك عن طريق الاهتمام باستخدام التكنولوجيا النظيفة.
13. إعادة توزيع الأنشطة الإنتاجية والصناعية حسب أولويتها ورفع الأعباء الإجرائية عن كاهل العملية الإنتاجية.
14. والتوسع في إنشاء الصناعات الموجهة للتصدير وتشجيع المستثمرين على إنشاء الصناعات الأساسية والاهتمام بالتدريب المتواصل والمتخصص للعاملين بالصناعة مع وضع القواعد والمعايير الأساسية لتقييم هذه السياسات المتمثلة في القياس الدوري لمعدل النمو المستمر في الإنتاجية والربحية والتطوير والابتكار وتوفير فرص العمل الجديدة.
15. تحقيق التوزيع الإقليمي المناسب للأنشطة الصناعية وتحقيق الارتقاء التكنولوجي لها وإكسابها القدرة على الاستجابة السريعة للظروف المتغيرة وخاصة في تشكيلات الإنتاج.
ولا بد أن تعمل الصناعة على تعظيم القيمة المضافة وذلك من خلال التعميق المستمر للتصنيع المحلي والذي يعتمد على آليات العرض والطلب واستيعاب التطورات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية في العالم آخذة في اعتبارها الابتكار العلمي وتطور الأسواق وتعدد الأذواق.
وتتركز مقومات النجاح الصناعي في سورية بالإضافة إلى وجود البنية التحتية المتطورة بالاستقرار الاجتماعي والسياسي والتشريعي وبخاصة التشريعات التي تشجع وتيسر على المستثمرين إنشاء المشروعات. إضافة إلى توفر مجالات متعددة للأنشطة الصناعية التي تتميز بوجود أسواق كبيرة لمنتجاتها وهذه الأسواق تتسع مساحاتها باستمرار بما يشجع على زيادة الإنتاج كما تتمتع بالمزايا النسبية والتنافسية من ناحية التكلفة والأسعار وتوفر قوة عاملة مؤهلة .
ولا شك أن الصناعة هي الكفيلة بتحقيق القدر الأعظم من التنمية الاقتصادية، ومن ثم ستكون التنمية الصناعية أهم مجالات العمل الرئيسي في المرحلة القادمة بهدف تعظيم القدرة الإنتاجية لسورية الأمر الذي يتطلب حسن استخدام الطاقات الإنتاجية المتاحة، وجذب المزيد من الاستثمارات الجديدة، وتحقيق الكفاءة الإنتاجية للوصول بالإنتاج إلى الحجم الأمثل لكل وحدة، وتنمية الموارد البشرية (عمالة وإدارة) لتكون مهيأة للمنافسة الشديدة التي قد تواجه تلك المنتجات في الأسواق العالمية والأسواق المحلية، بعد تحرير التجارة الخارجية. وتوفير البنية التحتية الأساسية العصرية اللازمة لإقامة صناعة قوية قادرة على المنافسة ونجاحها.