الصناعة الخضراء في الوطن العربي ؟
لا تهدف الصناعة الخضراء إلى كسب المال فقط من تأمين الإنتاج ، ولكنها تهدف إلى الجمع بين تأمين الإنتاج مع الحفاظ على صحة الإنسان و البيئة معا .
وعن آخر إجتماع بحث في مستقبل ” الصناعة الخضراء ” في الوطن العربي أحببت أن أشارك القراء الأعزاء به والذي كان في نهاية العام الفائت والذي عقد بالإشتراك بين المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين (الآيدمو)، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لهيئة الأمم المتحدة لغربي آسيا (الاسكوا)، وذلك من خلال ندوة بعنوان ” الصناعات الخضراء ودورها في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية ” ، التي عقدت في بيت الأمم المتحدة ببيروت في الفترة 28 – 29 سبتمبر/ أيلول 2011
لقد دعت كل من المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين (الآيدمو)، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لهيئة الأمم المتحدة لغربي آسيا (الاسكوا)، الدول العربية إلى العمل على تبني مفهوم الصناعة الخضراء كأحد الخيارات المتاحة لتعديل مسار التنمية الصناعية وتعزيز استدامتها، وذلك للخروج من الأزمات الاقتصادية والمضي قدماً في فصل النمو الاقتصادي عن تزايد استهلاك الموارد وتزايد انبعاثات الكربون.
كما طرحت المنظمة العربية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، وثيقة أولية لخطة عمل عربية لتنمية الصناعات الخضراء للفترة 2012 – 2014، وذلك ضمن ندوة «الصناعات الخضراء ودورها في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية» وتستند خطة العمل العربية لتنمية الصناعات الخضراء وفقاً لما جاء في الوثيقة، إلى المبادئ الأساسية التي تحكم عملية التنمية المستدامة الواردة في الإعلانات والمبادرات الدولية بما فيها الأهداف الواردة في إعلان الألفية، وإعلان «جوهانسبرغ» وخطة التنفيذ، وتتكافل مع المبادرات العربية القائمة والمتفق عليها. كما تتضمن الخطة تحديد أولويات العمل، وذلك من خلال تحديد أهم المحاور التي تستجيب لحاجات الدول العربية وتلبي متطلباتها نحو تحقيق اخضرار واستدامة التنمية الصناعية
وتأتي خطة العمل العربية لتنمية الصناعات الخضراء في سياق التوجهات العربية التي تمثلت في إصدار العديد من المبادرات والإعلانات، في مقدمتها المبادرة العربية للتنمية المستدامة التي تقدمت بها المجموعة العربية المشاركة في مؤتمر «جوهانسبرغ» لقمة البيئة والتنمية المستدامة في العام 2002، والإعلان الوزاري العربي بشأن التغير المناخي الصادر في العام 2007 والذي يعكس وجهة النظر العربية في التعامل مع قضايا تغير المناخ، والإعلان الصادر عن القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي عقدت في دولة الكويت خلال شهر يناير/ كانون الثاني 2009، والتي أكدت ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية والاستخدام الأمثل لها لتحقيق التنمية المستدامة، واعتبار ذلك ركناً أساسياً في جميع المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على الحد من أثر التغيرات المناخية وتداعياتها على المجتمعات العربية
وذكرت الوثيقة الأولية لخطة العمل أن أهم المعايير البيئية من أهم الشروط التي يجب توافرها في السلعة حتى تدخل إلى الأسواق العالمية، وأصبح من حق بلدان العالم منع دخول السلع التي لا تراعي البعد البيئي عند إنتاجها إلى أراضيها مثل: السلع الملوثة للبيئة، أو السلع التي يقوم إنتاجها على أساس الاستغلال الجائر للموارد، أو التي تؤثر على التوازن البيئي، أو السلع التي من المحتمل أن تضر بصحة الإنسان والحيوان. ولذلك أصبحت المصانع في أغلب بلدان العالم حريصة على وضع علامة على منتجاتها توضح أن هذه المنتوجات خضراء أو أنتجت بطريقة آمنة بيئياً.
وبجانب ذلك، ظهرت العديد من المراكز التجارية على مستوى العالم متخصصة في بيع السلع الخضراء التي تنتج بطريقة آمنة بيئياً، كما أصبحت بعض مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية تمتنع في مشروعات تلوث البيئة، وعرفت هذه البنوك بأنها «بنوك خضراء»، وظهر التمويل الأخضر، والذي أصبح مجالاً جديداً للتنافس بين البنوك لجذب الزبائن. كما ظهرت مؤسسات دولية لمنح شهادات دولية للمصانع التي تراعي الجوانب البيئية مثل شهادة «الآيزو 14000».
واستعرضت الوثيقة الأولية بعض التحديات التي تحدد أولويات الخطة ومحاورها العامة، وأفادت بأنه على رغم التقدم الملحوظ الذي شهده القطاع الصناعي في المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين، سواء من ناحية التوسع في الإنتاج وزيادة إقامة الوحدات الصناعية، أو من ناحية زيادة أنواع السلع المنتجة، فإنه لايزال يواجه العديد من التحديات الأساسية منها بالخصوص كيفية جعل الصناعة العربية أكثر انسجاماً مع متطلبات التنمية المستدامة من خلال تحقيق التوازن بين البيئة والتنمية، بما يساهم في تحسين أنماط الإنتاج والاستهلاك والالتزام بإدارة بيئية للصناعة تسمح للصناعيين بتحسين نوعية المنتج ورفع مستوى تنافسيته في الأسواق.
واعتبرت الوثيقة التغيرات المناخية تحدياً إضافياً يضاف إلى قائمة تحديات التنمية الصناعية في الدول العربية، وخصوصاً أن هناك تداخلات عديدة بين تقلبات المناخ وتغيراته وبين الصناعة، حيث تساهم الصناعة في زيادة تقلبات المناخ وتغيراته سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تساهم في تدهور طبقة الأوزون. كما تؤدي التغيرات المناخية إلى حدوث تغيرات في درجات الحرارة والرطوبة والأمطار والرياح وغيرها من عناصر المناخ، ما ينتج عنه العديد من الظواهر البيئية التي لها انعكاسات سلبية على التنمية الصناعية.
توصيات ندوة ” الصناعة الخضراء “
لقد تمخضت ندوة «الصناعات الخضراء ودورها في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية»، عن 17 توصية مقترحة
وجاء في التوصيات دعوة الدول العربية إلى تبني مفهوم الصناعات الخضراء كأحد الخيارات المتاحة لتعديل مسار التنمية الصناعية وتعزيز استدامتها، وتضمين الاستراتيجيات والخطط الصناعية، ودمج قضايا الصناعات الخضراء والإنتاج الأنظف قي صلب السياسات الصناعية، إضافة إلى دعوة الدول والهيئات الوطنية والمنظمات الإقليمية والدولية، لتعبئة الجهود البشرية ورصد الموازنات اللازمة وتقديم المعونة الفنية وأوجه الدعم الأخرى، بما يُمكن من تنفيذ البرامج والخطط الرامية إلى دعم وتنمية الصناعات الخضراء في العالم العربي، ضمن برامج تحدد الأولويات الملائمة للبيئة المحلية وقدرتها الاستيعابية.
وتضمنت التوصيات المقترحة تحفيز الشراكة التكنولوجية الفعالية للمنطقة العربية على الركائز الأربعة، وهي: المعرفة، والبنية التحتية، والتدريب، والتمويل. إلى جانب الدعوة لإنشاء شبكة عربية للصناعات الخضراء، وإنشاء فريق خبراء إقليمي يرمي إلى تشجيع تقاسم المعارف والدراية المتخصصة والخبرة، ومناقشة التجارب الناجحة في مجال الصناعات الخضراء.
واقترحت التوصيات دعوة الدول العربية إلى إعادة النظر في الأنظمة والبرامج التعليمية بهدف خلق جيل جديد قادر على الابتكار وعلى التعاطي مع التكنولوجيات الخضراء وتطويرها، وترسيخ مفهوم هذه الصناعات وإبراز دورها في خلق فرص عمل ومكافحة الفقر في الدول العربية، عبر تنظيم برامج التوعية وبناء القدرات على المستويات كافة.
وشددت التوصيات على ضرورة تحسين كفاءة استخدام الطاقة والتحول إلى تكنولوجيات منخفضة الكربون، والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة في القطاع الصناعي في المنطقة, عندما تتوافر الجدوى الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، إضافة إلى وضع سياسات وآليات عمل مناسبة لتأمين التنسيق بين مراكز البحث العلمي والجامعات والشركات والمؤسسات العاملة في مجال الصناعات الخضراء، بهدف نقل التكنولوجيا وتوطينها، والتطوير الصناعي، مع تبني نماذج اقتصادية تأخذ في الاعتبار الظروف المحلية والاقتصاديات الوطنية، مع تأمين الدعم المالي اللازم لذلك.
واقترحت التوصيات دعوة «الآيدمو» و «الاسكوا» والأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى عرض خطة العمل التي تمت مناقشتها خلال ندوة الصناعات الخضراء التحضيرية «ريو 20»، ليتم تبنيها كوثيقة عربية قابلة للتنفيذ، وذلك مع ضرورة الاستفادة من النقل والشراكة في التكنولوجيا داخل البلد الواحد ما بين الجامعة والصناعة، وداخل المنطقة العربية ما بين دولها ومؤسساتها والاستفادة من التجارب الناجحة، والتي أثبتت فاعلياتها في المنطقة وبيئتها.
كما دعت التوصيات إلى المراجعة العلمية والمجردة لتجارب التنمية الصناعية التي نجحت أو فشلت في فترة الأربعين سنة الماضية، لتحليلها والاستفادة من الدروس الناجحة وتجنب الفشل مجدداً، باعتبار أن الوقت والشباب والحاجات والطاقات لا تتحمل إضاعة فرص جديدة، مضيفة ضرورة إيلاء موضوعات أخلاقيات العلوم والتكنولوجيا الخضراء الاهتمام اللازم، حتى يتم وضع أطر نقل التكنولوجيا بما يحمي أمن الدول المتلقية لهذه التكنولوجيات، من أي أضرار محتملة، وذلك من خلال وضع برامج رفع قدرات مكثفة في القطاعات التي سيتم اختيارها لنقل التقنيات إليها .