2014-04-07

السياحة أقوى عوامل تقريب الشعوب من بعضها البعض





] سيد أحمد رضا:


ليس بعيداً عن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال التي يعيشها العالم، تبرز ثورة يعتقد الدكتور طالب الرفاعي بأننا لم ندرك أبعادها بعد، تلك هي ثورة السفر والسياحة التي لا يمكن لنا الحديث عن التنمية المستدامة، ومستقبل هذا العالم، دون الحديث عنها وعن الثقافة... ذلك لأن السياحة «نفط لا ينضب».
هذا ما صرح به الأمين العام لمنظمة السياحة الدولية التابعة للأمم المتحدة، الدكتور طالب الرفاعي، في محاضرة بعنوان «السياحة الثقافية: الهوية الحضرية للمدن التاريخية» بـ «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث» مساء الاثنين (31 مارس الماضي) ضمن فعاليات ربيع الثقافة.


العولمة...
«العالم من حولنا يتغير بسرعة غير مسبوقة في التاريخ» هكذا يفتتح الرفاعي محاضرته متناولاً العولمة ومدى التغيير الذي تعيشه الإنسانية بسببها «حياة البشر أصبحت مترابطة ومتشابكة» بالإضافة لتأثيرين بارزين أضفتهما العولمة على المشهد العالمي، يقول الدكتور طارق «قربة شعوب الأرض من بعضهم البعض في أحلامهم وتطلعاتهم وأنماط حياتهم، صارت الناس تلبس ذات اللباس، وربما تتحدث ذات اللغة، وحتى أشكال المنازل صارت متشابهة إلى حد كبير». أما التأثير الثاني فهو إن العولمة أفرزت جزءاً آخر من التأثير المعاكس لتقريبنا من بعضنا البعض، وذلك عبر إظهارها لحجم التنوع والاختلاف الذي تمتاز به الشعوب والثقافات.
ويذكر الدكتور الرفاعي أن «الثقافة والسياحة وسيلتان أفرزهما عصر العولمة» إلا أنهُ يؤكد بأنهما الوسيلتان الأساسيتان للاحتفاء بما يميز هويتنا وشخصيتنا الوطنية. ويضيف «هنالك تأثيرات كثيرة للعولمة على حياتنا، لكن الثقافة والسياحة إذا ما صح استخدامهما، فإن بستطاعتهم التأثير على العولمة وجعلها أكثر إنسانية، واحترام للخصوصيات والهويات المختلفة».

التغيير الأكبر
يوجز الدكتور الرفاعي التغييرات التي طرأت على حياتنا في ثلاث نقاط: «تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ثورة التحضر، ثورة السياحة والسفر» ويوضح أن الثورة الأخيرة تعد التغيير الأكبر، لكننا لم ندركه بعد «لم تعد السياحة والسفر قطاعا مقصورا على النخبة، بل أضحى حركة شعبية وحاجة إنسانية تدخل في مسار حقوق الإنسان».
ويشدد الرفاعي على وجوب إحسان إدارة هذه المتغيرات الثلاثة التي إذا ما وظفت بالشكل الصحيح، فيمكن لها أن تجعل العالم يبدو بشكل أفضل».

السياحة ثقافة لعالم أفضل
يقول الدكتور طالب ان الثقافة مثلها مثل العولمة، عالم متغير باستمرار «تتأثر بما يسبقها، وتؤثر في الذي يلحقها» ويضيف «هي إحدى أهم العناصر التي تخلق من العالم عالم أفضل للأجيال القادمة، ذلك عبر الانفتاح على الثقافات الأخرى، والمساهمة في بناء عالم متباين يحتاج بعضه إلى البعض الآخر» ويشرح الرفاعي ذلك بالقول «عندما تزور شعب ما، فأنت تأكل من طعامه، تسمع موسيقاه، تتعرف على أفراده» وكل ذلك يخلق حالة من الود لا يمكن أن تشوبها حالات الحقد التي تقود إلى الصراعات.
لذا يعتبر الدكتور طالب أن السياحة هي أقوى عوامل تقريب الشعوب من بعضها، كما أنها تقوي اعتزازنا بما لدينا من تراث وثقافة عندما نراه محترماً في عيون الآخرين. وعلى ذلك يعتبر الرفاعي أننا نعيش عصراً فريداً «ستنظر له الأجيال القادمة على أنهُ عصر السفر الذي تخطت فيه الناس كل حدود».

تأثيرات السياحة
يضع الدكتور الرفاعي أربع تأثيرات للسياحة، فهي من جانب تؤثر على الاقتصاد «فهي ثالث أكبر صناعة في العالم»، وهي من جانب آخر تؤثر على البيئة «تعاد بناء البيئات المدمرة لجذب السياح، فيمكننا توظيف السياحة للحفاظ على التراث الطبيعي والتاريخي والحضاري والثقافي».
كما أن لها دوراً سياسياً، وآخر تراثي، يقول الرفاعي «في السياحة نُروج للشواطئ، والفنادق، والجبال، وغيرها» إلا أنهُ يرى بأن هذه الأشياء قد توجد في العديد من الأماكن، لذى يتساءل ما الذي يميز مكان عن آخر؟ يجيب «الخصوصية التي تتمتع بها المجتمعات، والناس، والتي تضفي صفة وهوية مختلفة من مكان إلى آخر».
ويذهب الدكتور للقول بأن الطبيعة ليست هي المكان، بل «الطعام، الموسيقى، اللغة، التقاليد هي المكان».

مبادئ أساسية
هناك خمسة مبادئ يعتبرها الدكتور طارق أساسية، وهي أن العلاقة بين الثقافة والتراث والحفاظ عليه، بالإضافة للنمو الاقتصادي والسياحة، وتزايد أعداد السائحين كل تلك الأمور محصلة معادلتها لا تساوي صفر. من جانب آخر يرى أن المشهد الحضري مشهد متكامل، والتجربة الحضرية تجربة متكاملة هي الأخرى، ولهذا فإن السياحة انتقلت من كونها منتجا واحدا، لتضحو مجموعة متشابكة من المنتجات التي تشكل التجربة السياحية. يوضح الدكتور الرفاعي ذلك بالقول «عندما تزور مكاناً فإنه يبدو عامراً بما حوله من أكشاك، وحدائق، ومطاعم، وسائقي تكسي..» كل ذلك يخلق تكاملاً من الخدمات المتشابكة.
ويضيف متابعاً حديثه على الأسس «التمايز الحضاري ليس فقط مسؤولية تاريخية، إنما هو ايضاً مخزون استراتيجي واقتصادي، وهو رأس المال الحقيقي لصناعة السياحة» وعلى ذلك يحذر الرفاعي من الخوف كثرة السائحين والزوار «ما يخيف هو عدم قدرت القائمين على المعالم السياحية من وضع الأسس والنظم الإدارية التي تنظم حركة هؤلاء».
ويختتم الدكتور أسسه بأن السياحة الثقافة وتنمية و»ليسا ترفاً، فهما قطاعان يجب أن يوظفها لصالح التنمية ولتحسين حياة الناس، وخلق فرص التوظيف لهم».

مليار سائح.. مليار ضرر ومنفعة!
«يمكن للسياحة أن تلعب دوراً هاماً في الاستمتاع بما وهبنا الله من تراث تاريخي وحضاري» هذا ما يؤكد عليه الدكتور الرفاعي، ويتابع «فالسياحة تُعيد التأكيد على الهوية، وترسخ الشعور بالانتماء، وتزيد فهم الشعوب لبعضهم البعض، بالإضافة لتوفير الموارد التي تمكننا من الحفاظ على التراث وتحسين حياتنا».
إلا أن للسياحة جانبا سلبيا في مقابل الجانب الإيجابي، يوضح ذلك الدكتور بالقول «مليار سائح يرمون علب البلاستيك قد يدمروا البيئة، في المقابل مليار سائح لديهم الوعي الأخلاقي للمحافظة على نظافة الأماكن، سيحمونها».
أضف إلى ذلك ما قد تخلقه السياحة من فرص، إذا ما أًحسن استخدامها، يؤكد الرفاعي «وعي السائحين باستعمال المرشدين الوطنيين، يخلق آلاف الفرص. وشراء السائحين من المنتجات الوطنية، سيغير الكثير».

مستقبل هذا العالم
يرى الدكتور الرفاعي بأنه لا يمكن لنا الحديث عن التنمية المستدامة، ومستقبل العالم دون الحديث عن السياحة «فنحن نعيش مرحلة متقدمة، وهناك قطاعات سياحية بدأت تحدث تغييراً في حياتنا، كالرياضة، والثقافة، وغيرها من القطاعات». ولهذا يصف الدكتور طارق عصرنا بـ «عصر السفر وعصر الثقافة» حيث يجب أن نعي لما حولنا، وأن نفكر في كيفية الاستفادة منه بأكبر قدر ممكن.
واختتم الدكتور طالب الرفاعي محاضرته بالإجابة على الاسئلة والمداخلات، حيث تناول في إحدى ردوده دور الإعلام والسينما في تنمية السياحة، وأشار إلى أن هناك جانبا يجب الانتباه إليه، وهو أن يطابق الترويج الواقع «لا يجب أن يصدم السائح بواقع مختلف عن ما رأى في الإعلام أو السينما، لذلك لكي تبدو جميلاً لابد أن تكون جميلاً»، ويؤكد الدكتور الرفاعي أن الخسارة هي مآل الترويج المختلف عن الواقع.

Share this