2017-01-10

السياحة المستدامة



تعد السياحة في الوقت الحاضر من القطاعات الاقتصادية ذات الاهمية الكبيرة بالنسبة لميزان المدفوعات في العديد من دول العالم , و لقد اصبحت كعنصر تصدير و استيراد أهم المقومات الرئيسية للتجارة الدولية , حيث تشير اتجاهات النمو الكمي للسياحة الى تواتر أهمية هذه الصناعة , فقد بلغ عدد السياح الدوليين عام 1997م (612) مليون سائح و بلغت الايرادات السياحية العالمية نحو ( 443) بليون دولار , وفي عام 2002م وصل عدد السياح في العالم الى (703) مليون سائح لتبلغ الايرادات السياحية العالمية (480) مليون دولار , و ترتقب منظمة السياحة العالمية ان يصل عدد السياح الدوليين الى (1,6) مليار سلئح عام 2020م و ان تبلغ الايرادات السياحية العالمية نحو (2) تريليون دولار أمريكي .


و من منظور اجتماعي و حضاري فان السياحة هي جسر للتواصل بين الثقافات و المعارف الأنسانية للامم و الشعوب و محصلة طبيعية لتطور المجتمعات و ارتفاع مستوى معيشة الفرد , و على الصعيد البيئي فان السياحة تعد عاملا مهما لاشباع رغبات السياح من خلال زيارة المواقع الطبيعية و التعرف على تضاريسها و مواردها البيئية و الحياة الفطرية فيها, اضافة الى التعرف على البيئة الاجتماعية و الثقافية , و فضلا عن ذلك فقد تساهم الايرادات السياحية في سد تكلفة الحفاظ على السمات الطبيعية و الموارد التاريخية و الأثرية لهذه المواقع خاصة بالنسبة للمناطق التي لا تمتلك الامكانيات المادية الكافية لتنفيذ برامج صون الطبيعة و الحماية و الحفاظ للتراث الأثري و التاريخي بها .


و بناء على الأهمية الأقتصادية و الأجتماعية و البيئية و اعتمادا على مؤشرات النمو الكمي للسياحة فان هناك اتجاه متعاظم لانماء السياحة بأنماطها المختلفة , الا أن هذا الاتجاه نحو تنمية النشاطات السياحية بكثافة و دون مراعاة ماقد ينجم عنها من تأثيرات سلبية قد يؤدي قطعا الى مضاعفة لأاثار السلبية على نواحي البيئة الأجتماعية و الثقافية عموما و على موارد البيئة الطبيعية على وجه الخصوص , فموارد البيئة الطبيعية بصفة خاصة أضحت تعاني ضغوطا متزايدة نتيجة لزيادة الطلب عليها , حيث تشير اتجاهات النمو النوعي للسياحة في العالم الى تزايد أعداد السياح المتطلعين لزيارة المواقع السياحية التي تتمتع بطبيعة متميزة و جودة بيئية عالية , و أن تدفق السياح بأعداد كبيرة و سوء التخطيط و الادارة و النشاط السياحي العشوائي سيعمد الى تخريب و تدمير العديد من البيئات و تهديد للحياة الفطرية فيها , و سيجعل من هذه المواقع السياحية مناطق متردية بيئيا و اجتماعيا منفرة للسياح مما يؤدي بدوره الى اضمحلال وتقلص امكانيات الجذب لهذه المواقع و بالتالي تدني اهميتها السياحية و فقدانها لمورد هام من موارد التنمية الاجتماعية و الاقتصادية .


و في ظل تعالي الأصوات بضرورة الحفاظ على البيئة بكافة جوانبها باعتبارها رأسمال صناعة السياحة , و لتنامي ادراك الكثير من الحكومات و السلطات المحلية و الهيئات الدولية لأهمية مطلب دوام النماء ( التنمية المستدامة ) لكافة القطاعات الاقتصادية , و في اطار ماورد في التقرير الذي قامت باعداده ( اللجنة العالمية للبيئة و التنمية ) بناء على طلب من الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول تحديد سياسة التنمية المستدامة بأنها “السياسة التي تلبي احتياجات الحاضر دون الاخلال بقدرة الأجيال الآتية على تلبية احتياجاتها ” , و لأجل الحفاظ على الموارد السياحية الطبيعية و التاريخية و الثقافية لمواصلة الانتفاع بها في المستقبل القريب و البعيد فان كل من الأمم المتحدة و منظمة السياحة العالمية تبنت فكرة التنمية المستدامة للسياحة كقطاع اقتصادي واعد ينبغي استثماره استثمارا مستداما لنيل مكاسب اقتصادية ذات جدوى عالية و تحاشي حدوث أية مشاكل بيئيةأو معضلات اجتماعية و ثقافية .





مفهوم السياحة المستدامة :


بناء على ماورد في الاجندة (21) التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية المسمى “قمة الارض” و الذي انعقد في (ريودي جانيرو ) عام 1992م و التي تم فيها توضيح فكرة التنمية المستدامة بشكل أدق ,قامت منظمة السياحة العالمية و وكلات دولية أخرى باعداد أجندة (21) مخصصة لقطاعي السفر و السياحة بعنوان: نحو تنمية مستدامة رافقة بالبيئة “, وهي تشرح الدور الذي ينبغي لهذين القطاعين أن يؤدياه لتحقيق تنمية سياحية مستدامة . كما وضعت منظمة السياحة العالمية تعريفا لمفهوم السياحة المستدامة على النحو التالي ” ان التنمية المستدامة للسياحة تقتضي من جهة أولى تلبية الأحتياجات الحالية للسياح و للمناطق المضيفة , و تستوجب من جهة ثانية وقاية و تحسين فرص المستقبل . و التنمية تستدعي ادارة شؤون الموارد بطريقة تتيح تلبية الأحتياجات الأقتصادية و الأجتماعية و الجمالية مع الحفاظ على كل المميزات الثقافية و ملامح البيئة الفطرية و أنظمة دعم الحياة ” .


و ضمن هذا التعريف الاساسي يمكننا صياغة أهداف و أهمية التنمية المستدامة للسياحة كما يلي :


1- صيانة الموارد الطبيعية و الثقافية و غيرها لأجل ادامة استخدامها مستقبلا مع تمكين الأجيال الحاضرة من الاستفادة منها , و تبدو أهمية نهج التنمية المستدامة هنا في أن بقاء القطاع السياحي يتوقف على بقاء امكانيات جذب السياح ذات الصلة بالتراث الطبيعي و البيئي و التاريخي و الثقافي لمنطقة ما , فاذا ما تردت الأوضاع البيئية او اندثرت فان ذلك يعني فقدان مقومات صناعة السياحة , كما أن الحفاظ على الموارد السياحية يمكن تحسينه غالبا عن طريق تنمية السياحة ,فادامة المميزات الثقافية (كالعادات و التقاليد مثلا) من الأمور الهامة في الحفاظ على التراث الثقافي لمنطقة ما , كما أن صون الموارد السياحية يعني ان السكان المحليين سيصبحون أكثر وعيا و ادراكا لقيمة تراثهم ومن تم دعمهم لخطط حماية هذه الموارد .


2- تبني أسلوب التخطيط العلمي لتنمية و ادارة السياحة في المنطقة المعنية بطريقة لا تولد مشاكل بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية , و يفيد التخطيط البيئي و دراسة قدرات النقل كونها وسائل فنية هامة لتفادي نشوء أو استفحال المشاكل البيئية و الأجتماعية و الأقتصادية التي قد تخلفها السياحة .


3- الحرص على استمرار جودة البيئة بكافة جوانبها و تحسين الجودة في المواقع التي تحتاج لذلك , وفي هذا السياق فان السياح عادة ما يرغبون في زيارة مواقع تمتاز بالطبيعة الخلابة و البيئة النظيفة الغير ملوثة , والسياحة يمكنها توفير دوافع و وسائل لصون المواقع و تحسين جودة البيئة عند الحاجة , فجودة البيئة توفر متعة كبيرة لاهالي المنطقة و السياحة تزيد وعيهم لأهمية جودة البيئة و بالتالي دعمهم لخطط الحفاظ على هذه الجودة و تحسينها متى ما اقتضى الأمر ذلك .


4- ادامة رضى السائح كي يستمر في زيارة الموقع , و قد يكون السائح الحالي للموقع بذلك وسيلة للدعاية له عند الآخرين مما يضمن سهولة تسويق الموقع و يصون سمعته , فاذا ما فقد أي موقع قدرته على ارضاء السياح فهو سيفقد حتما الاسواق السياحية و يتلاشى فيه النشاط السياحي .


5- تعميم منافع السياحة على كل فئات المجتمع , ينتج عن تبني مفهوم التخطيط العلمي والادارة الرشيدة في انماء السياحة الى تعميم المنفعة الاجتماعية و الاقتصادية على كل فئات المجتمع المقيمة في الموقع السياحي مما يجعل هؤلاء حريصون على دوام السياحة و اتخاذ المواقف الايجابية حيال ذلك , و جدير بالذكر أن السياحة التي تقوم على مشاركة السكان المحليين هي وسيلة هامة لتعميم المنافع عليهم .


مما سبق تتضح جليا ماهية السياحة المستدامة فهي نقطة التلاقي ما بين احتياجات الزوار و المنطقة المضيفة لهم , مما يؤدي او ربما يعني حماية و دعم فرص التطوير المستقبلي بحيث يتم ادارة جميع المصادر بطريقة توفر الاحتياجات الأقتصادية و الأجتماعية و الروحية , و لكنها في نفس الوقت تحافظ على الواقع الحضاري و النمط البيئي الضروري و التنوع الحيوي و جميع مستلزمات الحياة و أنظمتها .


كما تبين أن استدامة السياحة لها ثلاث مظاهر متداخلة :


– الاستدامة الاقتصادية


– الاستدامة الاجتماعية و الثقافية


– الاستدامة البيئية


و الاستدامة هنا تشتمل بالضرورة على الاستمرارية و عليه فان السياحة المستدامة تتضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بما في ذلك مصادر التنوع الحيوي و تخفيف أثار السياحة على البيئة و الثقافة و تعظيم الفوائد من حماية البيئة و المجتمعات المحلية , و هي كذلك تحدد الهيكل التنظيمي المطلوب للوصول الى هذه الأهداف .





مبادئ السياحة المستدامة :


عند محاولة دمج رؤى و قضايا السياحة المستدامة لاسيما تلك المتعلقة بالسياسات و الممارسات المحلية يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية التالية :
أن يكون التخطيط للسياحة و تنميتها و ادارتها جزء من استراتيجيات الحماية أو التنمية المستدامة للاقليم أو الدولة , و ان يتم في ذلك اشراك وكالات حكومية و مؤسسات خاصة و السكان المحليين لتوفير أكبر قدر من المنافع .
أن تتبع هذه الوكالات و المؤسسات و الجماعات و الافراد مبادئ احترام ثقافة و بيئة و اقتصاد المنطقة المضيفة و الطريقة التقليدية لحياة و سلوك المجتمع بما في ذلك الانماط السياسية .
أن يتم الاهتمام بالتوزيع العادل للعوائد السياحية بين العاملين في القطاع السياحي و أفراد المجتمع المضيف و سكان المنطقة السياحية .
يجب ان تتوفر الدراسات و البحوث و المعلومات عن طبيعة السياحة و تأثيراتها على السكان و البيئة الثقافية قبل و بعد التنمية ,خاصة بالنسبة للمجتمع المحلي , حتى يتمكن السكان المحليين من المشاركة و التأثير على اتجاهات التنمية الشاملة .
أن يتم عمل تحليل متداخل للتخطيط البيئي و الاجتماعي و الاقتصادي قبل المباشرة بأي تنمية سياحية أو أي مشاريع أخرى بحيث يتم الأخذ بمتطلبات البيئة و المجتمع .
أن يتم تنفيذ برنامجا للرقابة و التدقيق و التصحيح أثناء جميع مراحل تنمية و ادارة السياحة بما يسمح للسكان المحليين و غيرهم من الانتفاع من الفرص المتوفرة و التكيف مع التغييرات التي ستطرأ على حياتهم .





تنمية السياحة المستدامة :


لتحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة سنورد جملة من الاجراءات و الوسائل التي من شأنها انجاح المواءمة بين رغبات و نشاطات السياح من جهة و حماية الموارد البيئية و النظم الاجتماعية و تعظيم الفوائد الاقتصادية من جهة اخرى و ذلك بهدف تطبيقها و هي :


1- سن القوانين و التشريعات ذات العلاقة بحماية البيئة على أن تأخذ في الاعتبار ضرورة النظر لمكونات البيئة السياحية كوحدة واحدة أي كنظام بيئي متكامل غير قابل للتجزئة .


2- وجود مراكز دخول في المواقع السياحية لتنظيم حركة السياح و تسهيل المراقبة الحذرة لسلوكهم اتجاه البيئة السياحية , و ايجاد أنظمة و قوانين تضمن السيطرة على أعداد السياح الوافدين و توفير الامن و الحماية بدون احداث أضرار بالبيئة .


3- تحديد القدرة الاستيعابية للمواقع السياحية بحيث يحدد أعداد السياح الوافدين للمنطقة السياحية و تفادي الازدحام و خاصة في المواقع الاثرية و التاريخية حتى لا يؤثر ذلك على البيئة الطبيعية و الثقافية و يعرضها للضرر .


4- نشر الوعي السياحي و الثقافة البيئية بين السكان المحليين , فغالبا ما يكون هؤلاء سببا في التخريب و التدمير البيئي لدواعي مادية مع الحرص على وجود اللوحات الارشادية التي تؤكد على أهمية ذلك .


5- تشجيع اقامة المشاريع التي توفر دخول للسكان المحليين مثل الصناعات الحرفية و التقليدية و العمل كمرشدين سياحيين .


6- تعاون كل القطاعات ذات العلاقة بالقطاع السياحي لانجاح اقامة المحميات الطبيعية و التراثية و ادارتها من قبل كوادر بشرية مؤهلة , واعتماد السياحة البيئية كوسيلة ملائمة لتسويقها و كنمط من الانماط السياحية التي يمكن من خلاله تحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة .


خلاصة القول أن السياحة المستدامة غدت منهجا و أسلوبا تقوم عليه المؤسسات السياحية العالمية , كما أن منظمة السياحة العالمية قد سلكت نهج التنمية المستدامة للسياحة و هي تطبق مقتضياتها في كل الخطط و الدراسات التي تعدها لاجل السياحة ,و على غير ما يعتقد الكثيرين فان تطبيق مفهوم السياحة المستدامة لايعد مكلفا من الناحية المالية فله عائده المعنوي و المادي و يعود بالربح و الفائدة على كافة المؤسسات السياحية ,


كما أن تطبيق مفهوم الاستدامة السياحية يعتمد على ثلاثة جوانب مهمة أولها العائد المادي لاصحاب المشاريع السياحية و ثانيها البعد الاجتماعي على أعتبار أن هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المحلي و عليها الاستفادة من الخبرات و الكفاءات المحلية مأمكن , بالاضافة الى اشراك المجتمع المحلي و الاخذ برأيه ,أما البعد الثالث فهو البيئة حيث تعامل هذه المؤسسات على أنها جزء من البيئة , و بالتالي يجب عليها المحافظة على الموارد الطبيعية من ماء و طاقة و نبات و أحياء طبيعية لدرء أي خطر من مشاكل الثلوث والتدهور .




وأخيرا فان تأمين استدامة السياحة يتطلب وجود ادارة رشيدة لتأثيرات السياحة على كافة الاصعدة البيئية و الاجتماعية و الاقتصادية ودراية بتطور أحوال البيئة بالاعتماد على مؤشرات بيئية و ادامة جودة المنتج السياحي و أسواق السياح , فضلا عن المراقبة و المتابعة المستمرة و اتخاذ التدابير العاجلة حالما تنشأ المشاكل , كما ينبغي دعم السياحة من قبل كافة الاطراف سواء السلطات المحلية أو السكان المحليين و مؤسسات القطاع السياحي الخاص و المنظمات غير الحكومية و السياح أنفسهم , و لابد من تنسيق جهودهم بشكل وثيق و تكثيف برامجهم لبلوغ الاهداف المشتركة و تحقيق التنمية السياحية الشاملة و المستدامة .

Share this