2014-04-29

التنمية البشرية ورهانات الألفية




يدل مصطلح التنمية البشرية على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبر التنميةالبشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرخاء للمجتمع، وما التنميةالبشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.




إن مفهوم التنميةالبشرية هو مفهوم مركب من جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات.




ومن هذا المنطلق، فالتنمية البشرية هي عملية أو عمليات تحدث نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب.




في العقد الأخير من القرن الماضي، تنامى الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة، وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح.




لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان، مما يمكننا تفسيره من خلال

فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وخاصة منذ التسعينات، وفي هذا الباب لا بد من التذكير بما لعبه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية من دور بارز في نشر وترسيخ هذا المصطلح.




وبالتالي ، فإن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها، لا لشيء الا لأن هدف التنمية تعنى تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية.




وهكذا يمكننا القول أن للتنمية البشرية بعدين:




البعد الأول: يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحانية ....




البعد الثاني : ويدل على أن التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل و البنية المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس.




ما يحيلنا مباشرة الى القول بأن التنمية البشرية تعتبر محكا رئيسيا لمجموعة من الأسس الحياتية ، والمتجسدة أساسا من خلال عدة جوانب وهي:




الجانب الإيماني والروحاني،




الجانب الصحي والبدني،




الجانب الشخصي،




الجانب الأسري،




الجانب الاجتماعي،




الجانب المهني،




الجانب المادي...




وبالمغرب، فان درجة التمتع بحقوق الإنسان ترتبط أساسا بظروف المعيشة، ومستوى إشباع الحاجيات الأولية للفرد، و خاصة الصحة و التعليم.




و في هذا الإطار، يعمل المغرب، منذ سنوات الاستقلال الى الان، بدون كلل من أجل تعزيز و حماية الحقوق التي تضمنها المواثيق والاتفاقيات الدولية، اذ نجده قد أعطى أولوية خاصة للتنمية البشرية في جميع جوانبها، علما منه أن الشخص الذي يعيش في فقر مدقع، و يعاني من الإقصاء الاجتماعي والهشاشة و البطالة، لا يمكن له أن يساهم، بشكل أفضل، بقدراته في الحياة السياسية والاجتماعية لجماعته.




و من هذا المنظور، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، في خطابه السامي، يوم 18 ماي 2005، انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث اعتبر هذا الورش الكبير إجابة على الإشكالية الاجتماعية في المغرب، " التي تتجلى في كون فئات و مناطق عريضة تعيش ظروفا صعبة، بل و تعاني من حالات فقر وتهميش، تتنافى مع ما نريده من كرامة موفورة لمواطنينا." كما أكد صاحب الجلالة على أن الطموح الكبير، على المدى البعيد، " يستهدف الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية لوطننا العزيز إلى مستوى البلدان المتقدمة".




وبالتالي، فإن الهدف الرئيسي من هذه المبادرات يتمثل في تقليص العجز الاجتماعي، من خلال إعادة الهيكلة و تطوير المجالات التي تعاني من الفقر و الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي، بلوغ هذا الهدف، استدعى بذل الجهود على ثلاث مستويات:- توسيع نطاق الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية؛ -




تنمية الأنشطة المدرة للدخل القار و فرص العمل؛




والمساعدة التي تستهدف الأشخاص المحرومين.




في المرحلة الأولى، اعتمدت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي كانت تتوفر على ميزانيتها الخاصة، مقتربا تشاركيا و شاملا، و يتأسس على شراكة بين الدولة والمواطن و المجتمع المدني. و وضعت لهذا الغرض برنامجا مندمجا يستهدف ضمن أسبقيته 403 جماعة قروية من بين أكثر الجماعات حرمانا، و 264 من الأحياء الحضرية والمدار الحضري على مستوى المدن حيث يعيش السكان أوضاعا صعبة.




و فضلا عن النتائج المباشرة و المفيدة لمبادرة التنمية البشرية، نذكر بأنه قد كان لها أيضا تأثير ايجابي على المشاريع الكبرى، من اجل تحسين ظروف العيش، و على وجه الخصوص في القرى المغربية، حيث تقوم بتعميم نطاق الولوج إلى شبكة الماء الصالح للشرب و الكهرباء و التقليص من المناطق المهمشة.




وفي هذا الإطار، يجب التذكير بأن المناطق القروية قد استفادت من انجاز ثلاث مشاريع كبرى، تتعلق ببرنامج كهربة العالم القروي، و برنامج التزويد بالماء الصالح للشرب، ومشروع طموح يهدف إلى الانفتاح و رفع العزلة عن العالم القروي من خلال انجاز الطرق المعبدة.




وبالتالي، أدت النتائج الملموسة و الجيدة لمبادرة التنمية البشرية بعدد من الدول الأوروبية والعربية و المنظمات الدولية إلى التعبير عن الاهتمام بها، و الالتزام بالانخراط فيها، كما تعهدت بالمساهمة المالية في انجازها.




لقد قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطابه السامي ليوم 30 يوليوز 2009، بمناسبة عيد العرش، على أساس النتائج الأولية لمبادرة التنمية البشرية، " بإعطاء دفعة جديدة وقوية لهذا الورش الدائم، انطلاقا من توجيهاتنا التالية:




أولا : توخي المزيد من النجاعة والمكتسبات. و لأجل ذلك، ندعو كافة الفاعلين عند إعداد مشاريعها إلى مراعاة نوعيتها و استمراريتها، و التقائها مع مختلف البرامج القطاعية، و مخططات التنمية الجماعية.




ثانيا : ضرورة إخضاع مشاريعها للتقييم و المراقبة، و الأخذ بتوصيات المرصد الوطني لهذه المبادرة.




ثالثا : التركيز على المشاريع الصغرى الموفرة لفرص الشغل و للدخل القار، لاسيما في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة".




إن الوعي بضرورة اقحام المعطى الاستراتيجي الاستشرافي في التعاطي مع قضايا التنمية البشرية الغير محدودة في الزمان والمكان ، قد أعطت لبلادنا السبق في تدبير ملفات التنمية ، مايحيلنا مباشرة على تقرير الخمسينية الذي عمل على استعراض حصيلة 50 سنة من التنمية البشرية في أفق سنة 2025، فقد تم القيام بتعليمات مولوية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإعداد تقرير يحدد رهانات المستقبل و العراقيل، و العجز البنيوي المرتبط بالتنمية البشرية بالمغرب.




و ساهم في إعداد هذا التقرير، بالتشارك و التخصص، مجموع الفاعلين الحكوميين وغير حكوميين و خبراء من مستوى عال، و قدم إلى صاحب الجلالة، حفظه الله، في يناير 2006، و الذي تزامن مع تقديم توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة. و يتضمن تقرير الخمسينية توصيات من شأنها أن تمكن المغرب من ربح رهان التنمية في أفق سنة 2025، و التي تتشكل حول الخمسة محاور الآتية:




- توطيد التطبيع السياسي، و تقوية التماسك الوطني، و تحسين نظام الحكامة من خلال مجموعة من الإجراءاتالطموحة؛

- تعزيز اقتصاد تنافسي من خلال الاستفادة من نافذة فرص الديموغرافية، ومن خلال التطوير و الابتكار، و الإصلاح الجبائي و العقاري، بالإضافة إلى إرساء اقتصاد جديد للعالم القروي؛

- توفير الشروط من اجل اندماج قوي للمغرب في الاقتصاد العالمي و مجتمع المعرفة، من خلال إنجاح الإصلاحات الجارية في ميدان التربية، و تطوير التكنولوجيات الجديدة و اللغات في النظام التربوي؛




- ربح معركة محاربة التهميش و العزلة، من خلال إعادة تنظيم التضامن عبر التراب الوطني، و تعميم الحماية الاجتماعية كوسيلة لمحاربة الفقر؛




- اغتنام فرص الانفتاح، والتغلب على التهديدات، و التوجه نحو مقاربات جديدة للتموقع الإقليمي.

و سيتمكن المغرب عبر هذه المنهجية من تحليل منجزات و عراقيل الماضي، بنوع من الحياد و النقد الذاتي و الهدوء، و من تصور الحاضر و المستقبل بثقة و الوضوح والعزيمة. و في هذا الإطار، تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية توطئة لتغيير مقترب مقاربة التنمية البشرية، و محفزا لإحداث التغيير العميق في المعيش اليومي للسكانضحايا الإقصاء الاجتماعي.




يعتبر موضوع التنمية البشرية من المواضيع الهامه التي تشغل اهتمام الكثير منالمفكرين والباحثين والقادة السياسيين في مختلف دول العالم ، خاصة الدول الناميةمنها ، وذلك لأهمية هذه العملية فياحداث التطور وتحقيق الانتقال النوعيوالكمي للمجتمع، كما أنه ومن جهة أخرى يمكن علم التنمية البشرية منوضعالرجل المناسب في المكان المناسب ، حيث أن كل انسان مبرمج وفق بيئته ودينهومعتقداته بالإيجابيات والسلبيات وهنا يظهر دور علم التنمية البشرية على الفرد حيثيعمل المدربون على : ازالة البرمجة السلبية وتطوير البرمجة الايجابية ليكون متميزافي كل مراحل حياته وعلى كل المستويات الشخصية الأسريه والوظيفية .




لقد شكل دستور 2011 محطة رئيسية من مراحل التحولات السياسية العميقة بالمغرب وذلك لما تتضمنه الوثيقة الدستورية من أسس وامكانات قانونية تؤسس لميلاد مبدأي المساءلة والمحاسبة المقترنين بضروة التعاطي مع قضايا التنمية البشرية بكل تمظهراتها الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية من خلال تبني سياسيات تنموية تأخذ من البعد التشاركي منهاجا لها.




ان النمو الديمغرافي المضطرد الذي أصبح يفرضه سياق العولمة المفرطة ، ليفرض على المغرب فتح نقاشات وطنية عميقة ، قوامها النهوض بالوضعية المادية والمعنوية للإنسان باعتباره قوام التنمية البشرية في شقيها المستدام والممكن

Share this